هل هي خيال؟
اللؤلؤ والذرة
فكرة راحت تلح على ذهني في إصرار. أقاومها فتعود إليه أشد عنفا وإيغالا ولمعانا. أما لماذا تلح فأمر لا أدريه، ولا أستطيع النفاذ إلى أسبابه ودوافعه.
أما لماذا أقاومها فأنا أعرف السبب. إنها فكرة بعيدة كل البعد عن الواقع. تأباها الحقيقة وتأباها طبيعة الأمور كما ترفضها الحياة؛ لأن العناصر التي تكونها شخوص وأشياء، هيهات لها أن توجد منفردة؛ ومن ثم فهيهات لها ثم هيهات أن تجتمع لتكون الصورة التي تريد أن تتشكل بها في رأسي وعلى قلمي.
وأنا لست كاتبا عفويا أقبل أي شيء على ذهني. ولست أيضا متسرعا أنشط إلى الكتابة بمجرد أن تلوح في خاطري أطياف فكرة، وإنما أصر على ألا أمسك القلم إلا بعد أن أنعم النظر في هذه الومضة التي يعرفها الكتاب، وأمعن التفكير في أعماقها وأبعادها.
وأنا أيضا لا أرغم القلم على الكتابة كما لا أرغم الفكرة أن تتشكل في إطار أفرضه عليها، وإنما أترك الفكرة نفسها تشكل هذا الإطار وتختاره في حرية كاملة من داخلها هي؛ فأنا من الذين يؤمنون أنه لا أحزاب في الأدب. وكم أضحك من تصنيف النقاد لكتاب حين يقولون إن هذا الكاتب رومانسي وذاك كلاسيكي وذاك واقعي وآخر رمزي. إنما الكاتب هو كل هؤلاء.
فليست هذه المذاهب أحزابا ولا آراء مبدئية يتحتم على من يعتنق مبدأ منها أن يكون عدوا للمبدأ الآخر.
ألست تراني أحاول ما وسعني الجهد أن أروغ من هذه الفكرة التي ما تزال تلح علي والتي ما زلت أحاول أن أقصيها عني.
ولكن متى استطاع الإنسان أن يهرب من قدره أو يروغ مما تفرضه عليه مشاعره؟
أتصور أن شخصا ما يملك حمارا يحبه ويريد أن يهيئ له كل وسائل الراحة، فهو يعين له شخصا خاصا لا عمل له إلا أن يقوم بشأن الحمار.
Bilinmeyen sayfa