فقال: «وهذا لن يفلح أيضا؛ لأن بيت الله في مكة فلا يقدر أن يجعله في سامرا.» •••
ورأى ضرغام أن الحديث قد طال لا يهمه بقدر ما يهمه الأمر الذي جاء لأجله، فأراد أن يختصر الكلام فقال: «ومع ذلك لا أجد فيما ذكرته مسوغا يجيز لك اللصوصية.»
فقال: «لا تقل اللصوصية. إننا لم نرتكب شيئا من ذلك على الإطلاق.»
فتضاحك ضرغام وهز رأسه استخفافا بدفاع حماد. فابتدره هذا قائلا: «لا تضحك يا صديقي. إننا لا نسرق وما نحن لصوص وإنما نحن نستولي على حقوقنا بأيدينا.»
فاستغرب قوله ونظر إليه وتطاول بعنقه نحوه كأنه يستفهمه فقال حماد: «إن هذه الأموال التي تجدها ملقاة هنا إنما هي حق الفقراء وأبناء السبيل بأمر الله - تعالى - في كتابه، وهي عشور الأموال أو أخماس الفيء، فهذه كان الخلفاء في صدر الإسلام يأخذونها من أصحاب الأموال والتجار ويفرقونها صدقة أو عطاء، وقد قطع المعتصم هذه الأعطيات، فهل يموت المسلمون جوعا لأنهم عرب؟! فنحن إنما نستولي على حقوق الفقراء بالقوة ؛ لأن الإمام أراد ضياعنا!»
فتعجب ضرغام لقوة تلك الحجة ولكنه أراد وقف الجدال فقال: «ما لنا وذاك! لقد علمت أنك كنت في سامرا من عهد قريب ولم يقطع الخليفة عطاءك فما الذي حملك على الخروج؟»
فوقف حماد وتنهد وتغيرت سحنته من الغضب إلى الكآبة ونظر إلى ضرغام وقال: «إن ما حملني على هذا الخروج وأثار في هذه الضغائن أمر أصاب مني مقتلا، أصاب قلبي فأذهب رشدي؛ فأنا ناقم على الرجل الظالم ما دمت حيا.» قال ذلك وقد تصبب العرق من جبينه، فازداد ضرغام رغبة في كشف خبره وتوسم من عبارته أنه يشكو من حبيب فارقه فقال: «وما ذاك يا أخي؟ قل وأوجز فإني أتيتك لأمر يهمني كثيرا فشغلتني بأمورك.»
قال: «مهما يكن من أمرك فلست بالغا أمري. أحببت جارية لبعض البغداديين وأحبتني، فلما أقدمت على الزواج بها، تصدى لي رجل من خاصة المعتصم اسمه الحارث السمرقندي أظنك تعرفه وطلبها لنفسه وأخذها مني عنوة، فشكوت أمري إلى الخليفة على يد القاضي الذي ذكرته فأجابني بقوله: «ابحث عن جارية أخرى فإن هذه لا تكون لك.» مع علمه بأنها تحبني حبا شديدا.» ثم تنهد وقال: «آه يا ياقوته!»
فقال ضرغام: «هل اسمها ياقوتة؟»
قال: «نعم هذا اسمها. فهب أني أغضيت عن كل السيئات التي ذكرتها فهل أقدر أن أغضي عن هذه؟ إني والله ناقم على الخليفة ودولته، وما خرجت لأكون لصا وإنما خرجت لأنتقم من هذه الدولة ما وجدت إلى ذلك سبيلا، وأعداؤها كثيرون.»
Bilinmeyen sayfa