فقال وهو يقعده بيده: «بلى. إن ذلك فرض على المسلمين ولكن المخلصين قليلون، ولولا ذلك ما اضطررت إلى الخروج من بغداد وإنشاء هذه المدينة ولا كان ثمة ما يدعو لتجنيد هؤلاء الأجناد من أقصى تركستان وفرغانة لأستعين بهم على قومي وعشيرتي، وعلى أولئك الفرس الذين أطمعهم أخي المأمون في الدولة. إني محاط بالأعداء من كل ناحية. وكأنه ما كفاني الأعداء الأباعد في أذربيجان وطبرستان حتى ابتليت بهم في مدينتي وفي قصري! حتى هؤلاء الأتراك الذين جعلتهم بطانتي وعهدت إليهم في حمايتي ونصرة هذه الدولة، لا ينصرونني إلا طمعا في المال! وأنا إنما أسايرهم وأخادعهم وأنفق الأموال فيهم، وهم يظنون أنهم يخدعونني!» وسكت وبدا الجد في عينيه فأبرقتا بريقا يوهم الناظر إليهما أن الدمع يغشاهما فتهيب ضرغام من ذلك وأطرق ينتظر ما يبدو من الخليفة فاستأنف هذا كلامه وقال: «ضرغام، هل رأيت الأفشين في فرغانة؟» قال: «نعم يا مولاي.»
قال: «وما الذي ذهب به إلى هناك؟»
قال: «لم يخبرني عن سبب ذهابه، ولكنني أظنه ذهب ليتعهد بلده وأهله في عيد النيروز. وأظنه قادما قريبا.»
قال: «إنه قادم لا شك؛ لأنه لا يجد رزقا أوسع من هذا ولكن ...»
قال: «وهل أمير المؤمنين في ريب من إخلاصه؟»
فقال: «إني أكاد ألمس ذلك بيدي ولكني أغالط نفسي وأظهر الثقة به؛ لأننا في حرب لا غنى لنا فيها عن رجاله، وليتني كنت مخطئا، فالذي أبغيه منك الآن أن تكون موضع سري وألا تفارق قصري.»
فأجابه على الفور: «إني عبد أمير المؤمنين وطوع إشارته.»
قال: «أنت منذ الآن صاحبي، فإنه وإن كان اسمك أليق الأسماء ببسالتك فقد اخترت لك اسم «الصاحب»؛ لأنك مصاحبي. فهمت يا صاحب؟»
فحنى ضرغام رأسه شكرا وقال: «لقد تكاثرت علي نعم أمير المؤمنين، ولا أراني أهلا لها ولكنه أراد أن يرفع صنيعته و...»
فقطع الخليفة كلامه قائلا: «كيف لا تكون أهلا لذلك وقد أنقذتني من براثن الأسد؟!»
Bilinmeyen sayfa