فنظرت إليها وابتسمت وقالت: «نعم، أنا من ذلك على يقين أصح من يقينك برغبة الملوك في طلبي!» ومدت يدها إلى جيبها وقالت: «وقد جاءني كتابه منذ بضعة أشهر يخبرني بذلك وينبئني بقرب قدومه إلى فرغانة، ولكنه إلى الآن لم يأت.» وأخرجت الكتاب ودفعته إليها لتقرأه وهو مكتوب بالبهلوية، فقرأت فيه:
من ضرغام في سامرا إلى حبيبة قلبه جهان في فرغانة
يا سيدتي، ولا أزال أدعوك سيدتي لأنك سيدة العالمين؛ وأنت أيضا حبيبتي لأنك ملكت قلبي وكل جوارحي. تركت فرغانة منذ بضع سنوات ولم أكتب إليك حتى الآن؛ لأني لم أكن أهلا لمخاطبتك، وكيف يتجاسر ضرغام الفقير اليتيم أن يخاطب جهان بنت المرزبان صاحبة السيادة مالكة الأموال والرقاب! وقد وعدتك يوم الوداع أن أبذل جهدي في طلب العلا، فإذا بلغت درجة تقربني من مقامك أتيت إليك والتمست رضاك وإلا فإني أموت في سبيل طلبك. وقد انتظمت في الجندية وخضت المعامع باسمك واستقبلت النبال بصدري وهو فيه فوقاني من الأذى. ولما ارتقيت في مراتب الجند حتى صرت رئيس الحرس في قصر الخليفة بادرت إلى زف البشرى إليك، وكأنك تسألينني عن عاقبة ذلك التقدم فإنه إن لم يكن لأكتسب به رضاك فلا مأرب لي فيه؛ لأني لا أرى للحياة قيمة إن لم تكن لك ومعك. وقد أخذت أسعى في الشخوص إلى فرغانة لأقبل يد سيدي المرزبان وأحظى بمشاهدة حبيبتي جهان، ولولا بعض المشكلات التي نخاف عواقبها على الخلافة لجئت إليك منذ أشهر، على أني ظفرت الآن بوسيلة تساعدني على الرحيل؛ ذلك أن أمير المؤمنين بنى سامرا بالقرب من بغداد كما تعلمين لتكون خاصة به ليجعل فيها جنده الأتراك وأنا واحد منهم، وقد أراد أن ينتصر بهم على الأحزاب المختلفة التي نشأت في المملكة الإسلامية من الفرس وغيرهم، وخشي على هؤلاء الجنود إذا اختلطوا بسكان المدن المجاورة أن تذهب شدتهم ونخوتهم؛ فارتأى أن يزوجهم جواري تركيات من وراء النهر، وعين أناسا يرسل بهم إلى ما وراء فرغانة يبتاعون الجواري والإماء ويعودون بهن. وقد أعربت له عن رغبتي في زيارة وطني وطلبت السماح لي بمصاحبة ذلك الوفد، فوعدني الخليفة بتحقيق هذه الرغبة. فعسى أن آتيك قريبا. وقد عهدت في توصيل كتابي هذا إلى رجل من خاصتي. أمي تهديك السلام.
فلما فرغت القهرمانة من تلاوة الكتاب همت بجهان وضمتها إلى صدرها وقبلتها وهي تقول: «بورك فيك وفيه، إنه أهل لك. صدقت؛ إن الرجل بأعماله لا بماله، وإذا كان قد أصبح رئيس الحرس بجده وبسالته فكيف بعد أعوام والدولة الإسلامية لا تزال حروبها قائمة ومثل ضرغام لا يعدم وسيلة للارتقاء!»
فسرت جهان لموافقة القهرمانة على ما في ذهنها لكنها ما لبثت أن استدركت وقالت: «إن هذا الكتاب جاءني منذ عدة أشهر ولم يأت ضرغام ولا عرفت شيئا عنه.»
قالت: «لا تجزعي إنه آت. ولكن ...» وأطرقت كأنها تفكر في أمر طرأ لها . فقالت جهان: «ولكن ماذا؟ قولي يا أماه!»
قالت: «ولكن أباك قد لا يرضى بضرغام.»
قالت: «لم أخاطبه في شأنه بعد، ولكنني أعلم أنه يحبه ويجله. كما أنه لم يمنعني أمرا أردته قط.»
قالت: «أعلم أن سيدي المرزبان يحب ضرغاما ويجله، ولكن هناك أمرا آخر هل فكرت فيه؟»
قالت: «وما هو؟»
Bilinmeyen sayfa