Carl Buber: Yüz Yılın Aydınlanması
كارل بوبر: مائة عام من التنوير
Türler
.
والمهندس الاجتماعي الجزئي، مثله مثل سقراط، يعلم أنه لا يعلم إلا قليلا. وهو يعرف أن أخطاءنا هي سبيلنا الوحيد إلى التعلم. ومن ثم فهو يتلمس طريقه خطوة خطوة، يقارن النتائج التي كان يتوقعها بالنتائج التي تحققت بالفعل، وهو يرتقب على الدوام ظهور النتائج التي لا يرغب فيها ولكنها لا مفر منها في كل إصلاح. هذا فضلا عن أنه لا يقدم على الإصلاحات إذا كانت من التعقيد وسعة النطاق بحيث يمتنع عليه التمييز بين العلل والمعلولات المتشابكة فيها، فيمتنع عليه نتيجة لذلك إدراك ما هو في سبيل القيام به على حقيقته.
إنه منهجي علمي في تناول المجتمع والسياسة، إذ يتخذ موقفا نقديا، ويتبنى أسلوب المحاولة والخطأ، وهو لا يتوقع فقط الوقوع في الأخطاء، بل يتعلم أيضا منها ويفتش عنها عامدا. ذلك أن بنا جميعا ضعفا يتنافى والروح العلمية يجعلنا نعتقد أننا دائما على صواب. ويبدو أن هذا الضعف شائع بصفة خاصة بين السياسيين المحترفين منهم والهواة. والسبيل الوحيد للاقتراب من المنهج العلمي في السياسة هو التسليم في أعمالنا بأنه لا يمكن القيام بعمل سياسي خال من العيوب، أو عمل لا تترتب عليه نتائج غير مرغوبة. ولكن «الترصد» لهذه الأخطاء والعثور عليها والكشف عنها وتحليلها والتعلم منها. هذا هو عمل السياسي إذا شاء أن يكون علميا. فالمنهج العلمي في السياسة معناه أن نطرح عنا ذلك الفن العظيم الذي نوفق بواسطته إلى إقناع أنفسنا بأننا لم نقترف خطأ من الأخطاء، كما نستعين به على تجاهل هذه الأخطاء وإخفائها ولوم الآخرين عليها. فلنستبدل بهذا الفن العظيم فنا أعظم يساعدنا على تحمل مسئولية أخطائنا والتعلم منها والإفادة من هذا العلم والعمل على تجنبها في المستقبل.
42
والمهندس الجزئي يولي اهتمامه للبحث عن العيوب الملحة في المجتمع وإصلاحها، لا للبحث عن الغايات المثالية القصوى للمجتمع والنضال في سبيلها. والفرق بعيد بين الوجهتين، فالهندسة الجزئية منهج يمكن تطبيقه في أي وقت، بينما تدعو الهندسة الكلية إلى التسويف المستمر للفعل ريثما تحين ظروف مواتية. ومن الأرجح أن تحظى إصلاحات المهندس الجزئي بقبول الجميع، وألا تثير أي خلاف أو تضارب في الرأي، فالشقاء والمعاناة والبؤس أمور لا يختلف عليها الناس، فالواقع في قبضتها يعرفها جيدا وسواه لا يود أن يبتلى بها، أما التصورات الكلية لما ينبغي أن يكون عليه المجتمع وتكون عليه الخطط العريضة النطاق ولما يمكن أن تحققه وما يمكن أن تجره من عواقب، فهذه أمور يكثر فيها التردد والحيرة والخلاف.
43
سمة الهندسة الجزئية أن رسومها بسيطة تخص نظاما واحدا: الصحة، التأمين ضد البطالة، المحاكم، ميزانية معالجة الكساد، إلخ. إذا أخطأت الهندسة الجزئية فأخطاؤها غير فادحة وتدارك الأخطاء غير بعيد وإعادة التأقلم غير عسيرة. ولما كانت أقل خطرا فهي أقل إثارة للشقاق والتصدع. أما التخطيط الكلي المثالي فيقتضي مركزية السلطة وقوتها، ويؤدي مباشرة إلى الديكتاتورية، وقمع النقد، وفقدان التغذية الراجعة الضرورية للرؤية الصائبة وحذف الخطأ. ولما كان التخطيط الكلي حريا أن يضر بمصالح الكثيرين، فإن المهندس الكلي يجد نفسه مضطرا إلى أن يصم أذنيه عن شكاوى كثيرة، وربما جعل مهمته أن يكبح الاعتراضات السفيهة، وأن يسكت الأصوات الناشزة، وأن يقول - مع لينين: «ليس بإمكانك أن تصنع عجة دون أن تكسر بيضا.» غير أنه إذ يفعل ذلك سيكون قد خسر النقد الحكيم أيضا والتوجيه المخلص.
ثمة مشكلة أخرى تتعلق بالهندسة اليوتوبية هي مشكلة خليفة الديكتاتور. ومؤدى هذه المشكلة أن ضخامة المشروع اليوتوبي نفسها تجعله متعذرا عن التحقق خلال حكم واحد، فالأغلب أن يرث خليفة الديكتاتور، أو سلسلة من خلفائه، نفس التركة اليوتوبية غير المتحققة. وإذا لم يواصلوا خطته (إن كانت قد بقيت خطة) ويسيروا على دربه تكون كل التضحيات التي تحملتها الأجيال من أجل وهم المثال قد ذهبت سدى!
44
في كتابه «عقم المذهب التاريخي» يقول بوبر في هذا الصدد: «والمخطط الكلي يغفل الحقيقة الآتية: إن من السهل تركيز السلطة، ولكن من المستحيل تركيز كل المعارف الموزعة على كثرة العقول الفردية «العالم 3». ولا مفر من تركيز هذه المعارف حتى يمكن تصريف السلطة المركزة تصريفا حكيما. ولعل هذا ما يدفع المخطط الكلي إلى محاولة تبسيط مشكلاته باستبعاد التعددية الفكرية. وهو مضطر في ذلك إلى محاولة السيطرة على العقول والتحكم في الميول والمعتقدات وتجميدها بواسطة التربية الموحدة والغرس العقائدي. ولكن هذا لا بد من أن يحجب عنه ما يجري حقا في عقول الناس، ومن أن يقضي على التفكير الحر والنقدي، ومن أن يقضي في نهاية المطاف على المعرفة، وأهون ما تثمره هذه الطريقة هو أن تعمي على المخطط الكلي نتائج تشريعاته وتجعله لا يتبين إن كانت تتفق ومقاصده الطيبة. أما في الطريقة الجزئية فمن السهل تبين مقدار النجاح والفشل، وليس من حاجة إلى تكديس السلطة وقمع النقد. والأرجح أيضا أن يجد الكفاح ضد العيوب المحددة والأخطار المعينة تأييدا أكثر مما يلقاه الكفاح لأجل تحقيق مجتمع يوتوبي، مهما اصطبغ في نظر المخططين بصبغة المثل الأعلى. وربما كان في هذا ما يلقي بعض الضوء على أن البلاد الديمقراطية في دفاعها عن نفسها ضد العدوان تجد التأييد الكافي لما تضطرها إليه طبيعة الحال من تشريعات متطرفة (تذهب إلى حد الانطباع بطابع التخطيط الكلي) دون حاجة بها إلى كبت النقد العام، في حين أن البلاد التي تستعد للهجوم أو لشن حرب عدائية تضطر في الغالب إلى كبت النقد العام، حتى تتمكن من تعبئة التأييد الشعبي بتصوير الاعتداء في صورة الدفاع.
Bilinmeyen sayfa