268

Carais Bayan

عرائس البيان في حقائق القرآن

Türler

له في المريدين.

ومنها : أن يمنيهم بطول العمر ، ونيل الدرجات في شيخوختهم بأن تقاعدوا عن استعمال رسوم المعرفة ، وكل هذا غرور الملعون ، ولا يشتري غرور إلا من فر من أمانة النفس في طريق الله ، وكل هذا معنى قوله تعالى في وصفه : ( يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا )، والغرور وله للمريدين أنك قد بلغت منتهى المقامات ، وآخر الدرجات فاسكن من مجاهدتك ورياضتك ، واجلس في مجلس الشيوخ ، وتكلم بكلامهم ، أنت أعظم منهم ، حتى يدور حولك المريدون ، وأراد بذلك الغرور أن يوقعه إلى حب الجاه والرئاسة ، فيهلك فيها كهؤلاء المطرودين في زماننا ، طهر الله وجه الأرض منهم ، ومن أمثالهم.

قال بعضهم : ( يعدهم ) طوال العمر ، والموت غايتهم ، ( ويمنيهم ) (1) الغنى والفقر سبيلهم ، ( وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ) ما يقربهم من الدنيا ، ويبعدهم عن الآخرة.

( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا (123) ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا (124) ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا (125))

قوله تعالى : ( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ) حقيقة هذه الآية قطع أسباب الحدث عن جناب القدم ، وإفراد الأزل عن الحوادث ، وأن الخليقة للعبودية لا للربوبية ، أي : ما دمتم في رق العبودية يجازيكم بأعمالكم ، ليس كما يجري على خواص الأولياء ، أنا ما دام بيني وبينهم نسبة المحبة لا أجازيهم باشتغالهم بغيري ، ولا أحاسبهم بالعثرات والزلات ؛ فإني منزه عن أن يدركني أحد بنعت الحقوق منه علي ، فحقوقي قائمة على عبادي أبدا ، وهذا معنى قوله : ( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ) لأنه وإن كان عزيزا علي لم يخرج من رق العبودية ، وأنا أجازيه بالسيئة بعد أن أوقعته فيها تربية لا حرمانا ، وإذا مال خاطر العبد العارف إلى مراد نفساني فذلك الخاطر في حساب المعرفة سوء ، فيجازيه باستعماله ، وهذا إشارة قوله : ( من يعمل سوءا يجز به )، فذلك أسوأ جزاء سوء الخاطر ، وسوء الخاطر امتحانه لتربيته ، ومن لم يعرفه فوجوده

Sayfa 278