والحياة الفراغية؛ أي: الوسائل التي نقضي بها فراغنا، والهواية أو الهوايات التي نتعلق بها.
وكل نقص في واحد من هذه الأربعة يشقينا إلى حد ما، وبعض الشقاء الذي نعانيه منها قد يفدح حتى يحدث لنا شذوذا أو جنونا.
وفي مجتمعنا المصري الذي يقضي بحجز المرأة في البيت ويمنع اختلاطها بالمجتمع إلا قليلا، كما يمنع تكسبها واستقلالها، في هذا المجتمع تغدو الحياة الجنسية والزواج بؤرة الاهتمام عندها، أما الرجل فيجد اهتمامات عديدة أخرى، بل هو يستطيع أن يفكر في طمأنينة في أن يعيش أعزب، ولكن من المحال أن تفكر فتاة مصرية مثل هذا التفكير؛ ولذلك تعنى المرأة كثيرا بالتزين، كما أن البيت تكبر قيمته جدا عندها، ويتبع هذا الحمل والولادة، وربما كانت أعظم الكوارث التي تقع بالفتاة عندنا بعد العزوبة القهرية هي العقم التناسلي.
وحفلات الزار تحتاج إليها المرأة دون الرجل، وهي في لبابها محاولة خرقاء لمعالجة الحرمان الجنسي أو الغيرة من الضرة «أو غير الضرة»، أو الرغبة في السيطرة دون الحماة، وجميع هذه الظروف تقريبا خاصة بالمرأة المصرية دون المرأة الغربية التي لا تحتاج إلى الزار.
وواضح من سلوك المرأة في تزينها وتوالي الأزياء لزينتها أو تجميلها، اهتمامها الذي يشبه الهم والمرض بالحياة الجنسية، وفي مجتمع آخر مثل المجتمع الأوروبي؛ حيث تكسب فيه المرأة عيشها، لا يرتفع هذا الاهتمام إلى المقام العظيم الذي يرتفع إليه عندنا؛ ذلك لأنها تقضي يومها وهي عاملة تشغلها شئون عدة، كما أنها تجد الكرامة في هذا العمل، فلا تجوع إلى مقام اجتماعي بالزواج، وكلنا يعرف الثمرات المرة - بل الثمرات العفصة - التي ينتجها الحرمان من الحياة الجنسية في الشذوذات الكريهة التي يقع عندنا فيها الرجل والمرأة معا، وهي تبدأ من العادة السرية إلى حب أحد الجنسين لجنسه دون الجنس الآخر.
ولكل أمة ممارساتها الخاصة بالشئون الجنسية قبل الزواج وبعده، فنحن في مصر نختن الأطفال، وإذا تم هذا الختان قبل إتمام السنة الأولى من العمر فإنه لا يضر النفس، ولكنه بعد هذا السن يجرح الطفل بجرح نفسي؛ إذ هو يتخذ عنده صورة التمزيق لأعضائه، وقد يحدث له في المستقبل مركب نقص، أو اختلال في الوظيفة الجنسية، أو خوف من التعارف، وخاصة إذا عرفنا أنه ترافق الختان أحيانا كلمات وعبارات تؤلم الطفل وتخيفه، وبعض النساء يلححن في ضرورة الختان للصبيان، حتى ولو لم يكن مسلمات، بروح الانتقام؛ أي: انتقام الصبية من الصبيان الذكور قبل الرابعة أو الخامسة من العمر، وهذا الروح يبقى حتى بعد أن يصرن أمهات، وحتى ولو كان هذا الصبي ابنهن.
وليس هذا مكان البحث في الضرر الذي يصيب الصبية من الختان حين تصير زوجة، ولكن يجب ألا ننسى أن كل تأخير في إتمام التعارف الجنسي بسبب ختان يؤدي إلى ضرر نفسي بالزوجين، وقد منع إخواننا السودانيون عملية جراحية معينة للبنات كانت تؤدي إلى مثل هذه الحال؛ ولذلك يجب على الذين يمارسون الختان أن يكونوا من الأطباء، وأن يبصروا بمستقبل الفتاة حين تصير زوجة.
ويجب ألا يفهم الصبي، إذا كان الختان قد تأخر إلى السنة الثانية أو الثالثة من العمر، أننا ننوي قطع عضو التناسل، ويجب ألا تقال له كلمة يشم منها هذا المعنى؛ لئلا ينغرس في كامنته (عقله الكامن) هذا الوهم، فيصاب بالعنة وقت الزواج، ويجب ألا نثير اهتمامه أو نحدث له ألما في هذه العملية، حتى لا يلتفت كثيرا إليها فيذكرها، ويكون بمثابة من أجريت له عملية في الكبد أو الكلية يفتأ يذكرها ويتحسس مكانها ويفكر في حالها.
وهناك عادات نمارسها وقت العزوبة؛ فإذا تزوجنا عجزنا عن التخلص منها، مثال ذلك ما أشار إليه ليون بلوم الرئيس السابق للوزارة الفرنسية في كتاب له حيث يقول: إننا وقت العزوبة نشتري اللذة الجنسية بنقودنا من المومسات، فلا نبالي أن نتفق نحن وشريكتنا في ميعاد الإتمام للقاء الجنسي، ثم تثبت هذه العادة؛ فإذا تزوجنا لازمتنا وأحدثت تنافرا جنسيا.
الحياة الجنسية تحتاج إلى الاستعداد لها منذ الطفولة، ويجب أن نهنأ بها، فلا يوقعنا أهلونا ولا نقع نحن في أسلوب نفسي سيئ يكون أسلوبنا الجنسي بعضه، وهذه الشذوذات مثل السادية؛ أي: القسوة مع الجنس الآخر وقت التعارف، أو المازوكية؛ أي: حب التألم مع الجنس الآخر وقت التعارف، كلاهما أسلوب جنسي هو بعض الأسلوب النفسي الذي نتبعه في العائلة والمجتمع، والعادة أننا نتخذ وجهتنا الحرفية من الأب فيتكون لنا مزاج ذهني مثل مزاجه الذهني، ولكن القيم والعادات الاجتماعية كثيرا ما نتخذها من الأم، وكل هذا يتم تقريبا في السنوات الخمس أو الست الأولى من العمر؛ ومن هنا الصعوبة في تغيير عاداتنا ووجهاتنا ومزاجنا وقيمنا ومقاييسنا وعقائدنا، ولكل منا حظه في هذا؛ إن شقاء وإن سعادة.
Bilinmeyen sayfa