ماذا أقول؟
إني أكره بول سارتر وما يسميه «الفلسفة الوجودية»، ولكني أجد في دعوته الأخلاقية ما يغريني؛ فإنه يقول: «إن الحياة هي مشروع يشرعه كل إنسان لنفسه، هي خارطة يرسمها بيديه، هي مجموعة ما يختار من الدنيا، هي تحفة يصنعها بيديه.»
إن سارتر يطالبنا بأن نكون ناضجين لا نعتمد على غيرنا، وهذا حسن منه؛ لأن المنتحرين أطفال غير ناضجين يعجزون عن الاعتماد على أنفسهم.
يجب أن نقبل الوجودية على أنها «أكذوبة» اجتماعية، مثل الأكاذيب القانونية، نهدف منها إلى أن نجعل من أبنائنا وبناتنا، رجالا ونساء ناضجين.
يجب أن نقول لهم: أشرعوا مشروع حياتكم وأنتم في الشباب، وارسموا خارطة السنين القادمة، ورتبوا برنامجكم لخمسين أو ستين سنة؛ فإن حياتكم هي بيت تبنونه فأحسنوا البناء، وتجنبوا العادات التي تهدم هذا البيت، وأقبلوا على الاستطلاع والاختبار، وتعلموا من الكوارث دروسا، ومن الأمراض صحة، واكسبوا حكمة، وليسأل كل منكم نفسه عندما يضعف: ألا أزال طفلا؟
المركبات
كلمة «مركب» من الكلمات التي خرجت من الميدان السيكلوجي إلى ميادين أخرى في الأدب والاجتماع بل في الحديث العام، وهذا يدل على أنها قامت بمهمة فسيولوجية كنا نحتاج إليها في لغتنا، وواضع هذه الكلمة هو يونج السيكلوجي السويسري، وهو يقصد منها إلى مجموعة من الأفكار العاطفية تندس في الكامنة (العقل الباطن) ثم توجهنا بميول واتجاهات تخفى علينا، وقد استعمل هذه الكلمة فرويد فيما أسماه «مركب أوديب» واستعملها أدلر فيما أسماه «مركب النقص».
ويرى القارئ لهذا الكتاب فصلا مستقلا فيه عن «مركب النقص»، ولذلك نحتاج هنا إلى أن نتحدث في إيجاز عن المركبات وعن مركب أوديب خاصة .
فالمركبات هي في صميمها رجوع مكيفة أي : معدولة، مثالها: الرجوع التي أحدثها بافلوف في الكلاب؛ فالكلب يجرب لعابه إذا رأى أو إذا شم اللحم؛ فإذا قرع جرس مع رؤية اللحم أو شمه، ثم كرر القرع والجمع بين الاثنين - أي اللحم والجرس - نشأ في نفس الكلب رجع انعكاسي مكيف؛ أي: معدول، حتى إننا إذا قرعنا الجرس وحده دون رؤية اللحم أو شمه سال لعاب الكلب؛ لأن هنا «مركبا» مؤلفا في نفس الكلب من الجمع بين الجرس واللحم، ومركبات الإنسان تزيد على ذلك بالطبع؛ أي إنها ليست بهذه البساطة، وهي مركبات لغوية واجتماعية وعائلية؛ أي إن المجتمع واللغة والعائلة كلها يكفينا ويعين لنا - بما غرسه فينا من مركبات - ميولا واتجاهات وتصرفات ننساق فيها مندفعين بعواطف لا ندري مأتاها؛ لأنها غرست - في الأغلب - ونحن أطفال، لم نكن نتنبه إلى منطقها أو نعارض في تأثيرها.
فالهندوكي ينشأ على تقديس البقرة، فقداسة البقرة عنده «مركب» يشتبك بعواطفه، وهو يعده حتى للموت في سبيل الدفاع عن البقرة، وكلمة «الدم» في بعض قرى الصعيد «مركب» يؤدي إلى الأخذ بالثأر وارتكاب الجرائم للانتقام، وعندئذ نجد أن هاتين الكلمتين اللتين تردان على ألسنتنا في بساطة، البقرة والدم، تحدث كل منهما مركبا إجراميا في نفس الهندوكي بالهند ونفس الجرجاوي أو القناوي بالصعيد.
Bilinmeyen sayfa