غرست واحصد مَا زرعت وأقرأ كتابك الَّذِي كتبت كفى بِنَفْسِك الْيَوْم عَلَيْك حسيبا وبربك ﵎ شَهِيدا ورقيبا
قَالَ مَالك بن دِينَار ﵀ رَأَيْت فِي الْبَادِيَة فِي يَوْم شَدِيد الْبرد شَابًّا عَلَيْهِ ثَوْبَان خلقان وَعَلِيهِ آثَار الدُّعَاء وأنوار الْإِجَابَة فعرفته وَكنت قبل ذَلِك عهدته فِي الْبَصْرَة ذَا ثروة وَحسن حَال وَكَانَ ذَا مَال وآمال
قَالَ فَبَكَيْت لما رَأَيْته على تِلْكَ الْحَال فَلَمَّا رَآنِي بَكَى وبدأني بِالسَّلَامِ وَقَالَ لي يَا مَالك بن دِينَار مَا تَقول فِي عبد أبق من مَوْلَاهُ فَبَكَيْت لقَوْله بكاء شَدِيدا وَقلت لَهُ وَهل يَسْتَطِيع الْمِسْكِين ذَلِك الْبِلَاد بِلَاده والعباد عباده فَأَيْنَ يهرب الْمِسْكِين فَقَالَ يَا مَالك سَمِعت قَارِئًا يقْرَأ ﴿يَوْمئِذٍ تعرضون لَا تخفى مِنْكُم خافية﴾ فأحسست فِي الْحَال بِنَار وَقعت بَين ضلوعي فَلَا تخمد وَلَا تهدأ من ذَلِك الْيَوْم يَا مَالك أَترَانِي أرْحم وتطفأ هَذِه الْجَمْرَة من قلبِي
فَقلت لَهُ أحسن الظَّن بمولاك فَإِنَّهُ غَفُور رَحِيم
ثمَّ قلت لَهُ إِلَى أَيْن قَالَ إِلَى مَكَّة شرفها الله تَعَالَى لعَلي أَن أكون مِمَّن إِذا التجأ إِلَى الْحرم اسْتحق مُرَاعَاة الذمم
قَالَ مَالك ففارقني وَمضى فتعجبت من وُقُوع الموعظة مِنْهُ موقعها وَمَا تأجج بَين جَنْبَيْهِ من نَار التيقظ والإنابة وَمَا حصل عَلَيْهِ من صدق الْقبُول وَحسن الِاسْتِمَاع
وَاعْلَم أَن الأمل يكسل عَن الْعَمَل وَيُورث التَّرَاخِي والتواني ويعقب التشاغل والتقاعس ويخلد إِلَى الأَرْض ويميل إِلَى الْهوى وَهَذَا أَمر قد شوهد بالعيان فَلَا يحْتَاج إِلَى بَيَان وَلَا يطْلب صَاحبه ببرهان
كَمَا أَن قصره يبْعَث على الْعَمَل وَيحمل على الْمُبَادرَة ويحث على الْمُسَابقَة وسأضرب لَك فِي ذَلِك مثلا مثل ملك من الْمُلُوك كتب إِلَى رجل يَقُول لَهُ افْعَل كَذَا وَكَذَا وَانْظُر فِي كَذَا وَكَذَا وَأصْلح كَذَا وَكَذَا وانتظر رَسُولي فلَانا فَإِنِّي سأبعثه إِلَيْك ليأتيني بك وَإِيَّاك ثمَّ إياك أَن يَأْتِيك إِلَّا وَقد فرغت من أشغالك وتخلصت من أعمالك وَنظرت فِي زادك وَأخذت مَا تحْتَاج
1 / 74