ويروى أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمهْدي رَحمَه الله تَعَالَى نَام لَيْلَة ونساؤه حوله فانتبهن لبكائه فَقُلْنَ لَهُ مَا شَأْنك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ مَا رأيتن الشَّيْخ قُلْنَ لَا وَالله مَا رَأينَا أحدا فَقَالَ دخل عَليّ شيخ وَأَنا بَين النَّائِم وَالْيَقظَان وَالله لَو كَانَ بَين ألف رجل لعرفته فأنشدني
كَأَنِّي بِهَذَا الْقصر قد باد أَهله ... وأوحش مِنْهُ رُكْنه ومنازله
وَصَارَ عميد الْقصر من بعد بهجة ... وَملك إِلَى قبر عَلَيْهِ جنادله
وَلم يبْق إِلَّا ذكره وَحَدِيثه ... يُنَادي بويل معولات حلائله
فَقُلْنَ لَهُ أضغاث أَحْلَام خيرا رَأَيْت فوَاللَّه مَا أَتَت عَلَيْهِ سابعة حَتَّى مَاتَ
وَأعلم ان النَّاس فِي قصر الأمل وَطوله مُخْتَلفُونَ وَفِي درجاته متفاوتون فَمنهمْ من يؤمل أَن يعِيش أقْصَى مَا يعيشه إِنْسَان مِمَّن شَاهد أَو سمع بِهِ فِي زَمَانه وَلَو كَانَ الِاخْتِيَار إِلَيْهِ لما مَاتَ أبدا حبا مِنْهُ للدنيا وكلفا بهَا وتلذذا بِالْبَقَاءِ فِيهَا وهيهات لَيْسَ للْإنْسَان مَا تمنى وَلَا أَن يدْرك كل مَا فِيهِ تعنى وَغَايَة هَذَا أَن يتَمَنَّى طول الْعُمر وَيَوَد أَن لَو يبْقى الأحقاب الْكَثِيرَة من الدَّهْر
قَالَ الله تَعَالَى فِي قوم كَانُوا كَذَلِك ﴿يود أحدهم لَو يعمر ألف سنة﴾
وَيُمكن أَن يكون هَؤُلَاءِ تمنوا طول الْبَقَاء لأَنهم كَانُوا لم يتَحَقَّق فِي الْآخِرَة لَهُم رَجَاء لكفرهم بِمُحَمد ﷺ وتكذيبهم لَهُ مَعَ صِحَة نبوته عِنْدهم لَكِن حملهمْ بغيهم وحسدهم لَهُ على الْكفْر بِهِ وَالْإِنْكَار لدعوته وَكَانُوا يَقُولُونَ إِنَّهُم يدْخلُونَ النَّار ثمَّ يخرجُون مِنْهَا فيتمنون لذَلِك طول الْعُمر
وَهَذِه الْآيَة نزلت فِي الْيَهُود وَمِنْهُم من يؤمل أَن يعِيش سِتِّينَ سنة وَسبعين سنة وَأكْثر من ذَلِك وَمِنْهُم من يؤمل أَن يعِيش فَوق ذَلِك وَدون ذَلِك حَتَّى إِن مِنْهُم من لَا يُجَاوز أمله يَوْمه وَرُبمَا كَانَ أمله أقصر من ذَلِك بل مِنْهُم من يكون الْمَوْت نصب عَيْنَيْهِ يتوقعه مَعَ الأنفاس أَن يثب عَلَيْهِ
1 / 71