أحكمت أسركم وَمَا من أَسِير ... فِي يَديهَا يُرْجَى لَهُ من خلاص
كم ركضتم وَرَاءَهَا من جِيَاد ... وامتطيتم بإثرها من قلاص
وانتضيتم لحربها من نصال ... ولبستم لذاكم من دلاص
ونزلتم مساريا وغياضا ... وعلوتم شوائقها وصياصي
وَإِلَى ذَا فَمَا وجدْتُم نجاة ... من ترد لكم بهَا والتحاص
رحتم مثخنين جرحا وقتلا ... كقنيص بايتتهم القناص
فاطلبوها بِمَا لكم من قصاص ... ومحال أَن تسعفوا بقصاص
فذروها ذميمة دَار دنيا ... أخلصت عيشها لذِي الْإِخْلَاص
وَإِذا امتدت الْأَمَانِي فِيهَا ... وأشادت بوصلها المتعاص
فَاقْطَعُوا ذكرهَا بِذكر مقَام ... هام من ذكره مُطِيع وعاصي
وَإِن ارتاع من حَدِيث فُؤَادِي ... فلذاكم يشيب سود النواصي
وَقَالَ الثَّوْريّ الزّهْد فِي الدُّنْيَا قصر الأمل وَلَيْسَ أكل الخشن وَلبس العباءة وَصدق الثَّوْريّ ﵀ فَإِن من قصر أمله لم يتأنق فِي المأكولات والمطعومات وَلَا يتفنن بالملبوسات وَأخذ من الدُّنْيَا مَا تيَسّر واجتزأ مِنْهَا بِمَا يبلغهُ
وَفِي بعض الْخطب أَيهَا النَّاس إِن سِهَام الْمَوْت قد فوقت إِلَيْكُم فانظروها وحبالة الأمل قد نصبت بَين أَيْدِيكُم فاحذروها وَفتن الدُّنْيَا قد أحاطت بكم من كل جَانب فاتقوها وَلَا تغتروا بِمَا أَنْتُم فِيهِ من حسن الْحَال فَإِنَّهُ إِلَى زَوَال ومقيمه إِلَى ارتحال وممتده إِلَى تقلص واضمحلال
أما تَسْمَعُونَ أَيهَا النَّاس لما بِهِ توعظون أما تعتبرون بِمَا إِلَيْهِ تنْظرُون أما تفكرون فِيمَا عَنهُ تزولون وَفِيمَا إِلَيْهِ ترجعون وَعَلِيهِ تقدمون أَيْن من تقدمكم وَكَانَ قبلكُمْ مِمَّن أمل أَملكُم وسعى سعيكم وَعمل عَمَلكُمْ أَيْن الَّذين بنوا الْمَدَائِن وملأوا الخزائن واستعدوا لما هُوَ عِنْدهم كَائِن أَيْن الَّذين غرسوا فِي رَوْضَة الْملك ونظموا الآمال فِي سلك وهتكوا حجبها أَيّمَا هتك وَكَانُوا فِي ظَاهر
1 / 69