Özgürlük Üzerine Konuşuyorum
عن الحرية أتحدث
Türler
ولكن يبقى مع ذلك سؤال جوهري لا بد لنا من الإجابة عنه إجابة عملية، وهو: كم من التراث؟ وكيف؟
على أني ألاحظ أننا نتحدث عن «التراث» وكأنه طاقية - مثلا - إما وضعناها على رءوسنا وإما خلعناها، وليس الأمر كذلك، فهذا التراث عالم فسيح الجنبات كثير الأبعاد عميق الأغوار، فيه أصول الدين وفيه مذاهب الفقهاء، وفيه الشعر وفيه النثر الأدبي وفيه الفلسفة وفيه كتب المتصوفة، وفيه علوم اللغة، وفيه العلوم بكل أنواعها، وفيه ... وفيه ... وليس موقف عصرنا من هذه الفروع الكثيرة متساويا بالنسبة إليها جميعا، بل إن فيها ما يظل ماضيه هو حاضره وقديمه هو جديده، وفيها كذلك ما كان ماضيه مرفوضا كله أو بعضه عند الإنسان الجديد بعلومه العصرية وبحياته التي تغيرت ظروفها.
ومن ذلك ترى - يا ولدي - أن ما ورثناه عن أسلافنا لا بد أن يكون نقطة ابتداء ننظر إليه عندها نظرة جادة نظرة من يحب أسلافه ويحب نفسه، وإما وجدنا الضرورة تقتضي أن نطيل وقوفنا عند تلك النقطة، وإما دفعتنا ضرورة الحياة دفعا إلى مجاوزتها إلى ما قد استحدث بعدها، مع إحالتها إلى عناية المؤرخين.
الفصل العاشر
صورة يفزعني صدقها
عن حرية الحركة أتحدث
حمار مربوط بحبل في وتد، تلك هي العناصر المادية، التي أقام عليها الشاعر العربي الصورة التي رسمها في بيتين من شعره، ولست أذكر متى حفظتهما، ولا بد أن يكون ذلك منذ زمن بعيد، بل ولا أذكر من هو الشاعر، لا، بل تذكرته الآن، إنه «المتلمس» وما هو أهم من ذلك عندي، هو السؤال الذي طالما طرحته على نفسي في حالات التذكر التي تشبه هذه الحالة، والسؤال هو: لماذا تذكرت هذا المحفوظ القديم الآن؟ إذ كثيرا ما ظننت أن لا علاقة هناك بين حادثة تصادفني، وبين ما تستدعيه من مخزون الذاكرة، لكنني لا أدع نفسي لتستريح إلا إذا بحثت فوجدت الرابطة بين الطرفين.
وليست العناصر المادية في الصورة التي رسمها الشاعر هي - بالطبع - كل ما يحمل البيتان، بل هي الركيزة الحسية التي اختارها الشاعر ليقيم عليها ما أراد إقامته من معان، وإني لأوثر أن أرجئ ذكر البيتين حتى أعرض لب المعاني التي أرادها الشاعر، وذلك لأني أعلم كم بات عسيرا على القارئ اليوم أن يقرأ شعرا، فأولا: لم يرد الشاعر أن يسمي «الحمار» حمارا، بل أسماه «عير الحي»، وذلك - في ظني - لأن اسم «الحمار» قد ينصرف عند القارئ إلى تلك الحمر التي يركبها السادة الأثرياء، والتي هي مطهمة بسروج من حرير، في حين أن الحمار الذي عناه الشاعر في صورته، إنما هو ذلك الضرب الذي يستخدمه سواد الناس في نقل الحجارة أو الرمل والزلط، أو ما إلى ذلك من أحمال! ولهذا فكثيرا ما ترى الحمار المسكين في هذه الحالة مسلخ الظهر، معفر الجلد، ثم هو مع ذلك هزيل بارزة عظامه لسوء ما تغذى، وثانيا لا بد لنا إذا ما وردت كلمة «الوتد» في البيتين أن نستحضر في أذهاننا شيئا من تاريخ الوتد؛ لأننا أميل إلى إهماله ونسيانه، فالوتد هو الآن قطعة من خشب، لكنه كان أيام عزه جزءا من فرع شجرة حية خضراء، ولا بد لذلك الفرع أن كان يميس مع الرياح كأنه الغادة الحسناء يتأود عودها من عجب وخيلاء، وأحسب أن القارئ على علم بكثرة ما لجأ الشعراء العرب إلى فروع النبات يشبهون بها الغيد الحسان.
هكذا كان الحمار، والوتد الذي ربط به، كلاهما في الصورة التي رسمها الشاعر، قد أحاط بهما، وسرى في جسديهما هوان وذل، وثالثا لم يتركنا الشاعر لنتخيل في تلك الحالة الذليلة ما نتخيله، إذ خشي أن يذهب بنا الظن إلى افتراض أن يكون ذل الحمار وذل الوتد - كما رسمهما - قد جاءهما مصادفة، فما أكثر ما تهبط مصادفات الحياة بعزيز قوم إلى مذلة في أقل من لمح البصر، لكن حالة الحمار والوتد لم تكن من هذا القبيل، بل هو ذل أريد بهما عن عمد، ومع ذلك فهما مقيمان على ما أريد لهما من ضيم وكأنهما راضيان به، إذ تراهما وقد شملهما هدوء وسكون، فلا قلق ولا ملل ولا سخط. رابعا إذا فرضنا أننا قد التقينا بذلك الشاعر فسألناه: من أين لك هذا كله عن الحمار والوتد؟ فإنه يجيب في ثاني البيتين بالبينة، إذ يقول عن الحمار إنه لم يقتصر على أن يكون مربوطا «برمته» (الرمة هي الحبل تساق به الدابة)، بل إنه في وضعه ذلك «على الخسف»، وأما الوتد فإن سيده الذي غرسه في الأرض أخذ يدقه على رأسه حتى شج له ذلك الرأس، ومع ذلك فقد بلغ من الهوان أن أحدا من الناس لم يعطف عليه ببكاء أو رثاء.
والآن فلأذكر البيتين:
Bilinmeyen sayfa