وكانت رئيسة المربيات واقفة إلى جوار لوحة الأزرار في الجانب الآخر من الغرفة، فضغطت على رافع صغير.
فحدث انفجار عنيف، وانطلقت صفارة بصوت أجش أخذ يزداد بالتدريج حدة، ودقت أجراس الخطر كأن بها مسا من جنون.
وفزع الأطفال وصاحوا، وتجعدت وجوههم فرقا ورعبا.
وكاد الضجيج أن يصم الآذان، فصاح المدير: «والآن نبدأ في إدخال هزة كهربية خفيفة في هذا الدرس.»
ولوح بيده مرة أخرى، وضغطت رئيسة المربيات رافعا آخر، فتغيرت نغمة صياح الأطفال، فكنت تحس في صرخاتهم الحادة المتقطعة، التي يرسلونها شيئا من اليأس، يكاد يبلغ حد الجنون، وامتطت جسومهم الصغيرة وتصلبت، وتحركت أطرافهم واهتزت، كأنها تستجيب لجذب أسلاك غير مرئية.
وصاح المدير وهو يشرح قائلا: «نستطيع أن نكهرب كل هذا الجزء من الأرض.» ثم أشار إلى المربية قائلا: «ولكن كفى هذا.»
وتوقف الانفجار، وكفت الأجراس عن الدوي، وأخذ صياح الصفارة ينخفض نغمه شيئا فشيئا حتى تلاشى، ثم ارتخت الأجسام الممتطة المتصلبة، وتحول نشيج الأطفال المجانين وصياحهم إلى العويل المألوف من أثر الرعب المعهود. «قدموا لهم الزهور والكتب ثانية.»
فلبى المربيات الأمر، ولكن الأطفال انكمشوا فزعين، وعلا صياحهم فجأة عندما اقتربت الورود، ووقعت أبصارهم على صور القطط والديكة والغنم الأسود، التي رسمت رسما يلائم الأطفال، وصبغت بالألوان الزاهية.
وقال المدير ظافرا: «اشهدوا، اشهدوا.
لقد اقترنت في أذهان الأطفال الكتب مع الضجيج المرتفع، والزهور مع الهزات الكهربية، وإذا تكرر هذا الدرس أو شبيهه مائتي مرة، أصبح الاقتران ثابتا لا ينفصم، وما يصله الإنسان تعجز الطبيعة عن فصله.
Bilinmeyen sayfa