Büyük İskender'in Dünyası
عالم الإسكندر الأكبر
Türler
على الرغم من اختلاف الآلهة والمهرجانات والأبنية الدينية في أنواعها، فإنها تتماثل في تحديد دور الملوك المقدونيين. كان زيوس وهرقل أهم شخصيتين عند الملوك الأرغيين؛ فكان هرقل الجد الأعلى للعشيرة، وكان زيوس أبا هرقل وأبا مكدون، ومكدون هو أبو المقدونيين ومن اسمه اشتق اسمهم. وتنم عن دور هذا النسب بلدتا ديون وهرقليون المقدونيتان الكائنتان على الطريق الرئيس جنوبا عبر تيساليا، واستخدام صورة لكلتا الشخصيتين على قطع النقد. كانت مراكز تعبد زيوس توجد في ديون والعاصمة الأصلية آيجي، التي أسس فيها أرخيلاوس مهرجانا تكريما ل «الإله الأعظم»، أما هرقل فكان يعبد في آيجي وبيلا. كان الملوك يباشرون مسئوليات خاصة في هذه المهرجانات وغيرها. وتكشف الفسيفسائيات الموجودة في بيلا عن أهمية ديونيسيوس، وهذا متوقع لما كان للخمر من أهمية في الندوات المقدونية. لا يوجد نقش كالموجود في جبل بيستون ينص على أن زيوس وهب الأرغيين الملك، ومع ذلك فهذا الجانب من جوانب الملك المقدوني باد بوضوح من دون نقش هكذا.
تؤكد الشواهد المادية أيضا سلطة الأخمينيين والأرغيين وثروتهما. كانت العاصمتان الفارسيتان شوشان وتخت جمشيد مبهرتين في أبعادهما وما بذل فيهما من عمل؛ إذ أقيمت مدينة شوشان على أساس منحدر من الطوب اللبن ارتفاعه بين 33 و40 قدما (10 و12 مترا)، وكان المار عبر بوابة داريوس إلى القصر يسير عبر الإيوان الأوسط من ثلاثة أواوين لمسافة تزيد على 68 قدما (21 مترا)، ولو نظر إلى أعلى فسيمتد بصره 40 أو 43 قدما (12 أو 13 مترا). وكانت المصطبة التي قامت عليها القصور تغطي نحو 30 آكر (12 هكتارا أو 120 ألف متر مربع)، بل كانت المصطبة التي في تخت جمشيد أكبر، مناهزة 31 آكر (125 ألف متر مربع). لم تكن بيلا بأبعاد مماثلة، لكنها كانت تثير الإعجاب فورا مقارنة بالمراكز الأخرى في مقدونيا واليونان؛ كانت الساحة العامة تغطي 17 آكر (7 هكتارات أو 70 ألف متر مربع) والقصر 15 آكر (6 هكتارات أو 60 ألف متر مربع). وكبرت الأبنية المحيطة بالساحة العامة رقعة المدينة، ولا شك أن المنطقة الممتدة على مسافة 2300 قدم (700 متر) الفاصلة بين القصر وقلب المدينة كانت أكثر من مجرد أرض غير مأهولة. ويكشف مخطط بيلا الهيبودامي عملية إنشائية مدروسة كالتي اتبعها الحكام الأخمينيون.
كانت هذه العواصم مراكز إدارة يشرف عليها الملوك ويفد إليها المبعوثون الأجانب والضيوف واللاجئون من أماكن أخرى للتعامل مع الملك، فخططت الطرق وأنشئت وفقا للتوجيهات الملكية، وكانت الخزائن المقامة لحفظ الثروة الملكية تدار بمعرفة مسئولين ملكيين، وأقيمت مواقع طقوسية بأمر الملك أو بإذنه، وكرس كثير منها لفعاليات لعب فيها الملوك الأدوار الرئيسة. خلاصة القول أنه بالرغم من أن ملوك الفرس ومقدون كانوا على دراية بالتهديدات المستمرة التي تحيق بسلطتهم، كانوا يتمتعون بمنزلة ميزتهم عن رعاياهم حتى ذوي المنزلة الأرستقراطية منهم. (4) معرفة الدولتين إحداهما الأخرى
يجمع بين مملكتي الأخمينيين والأرغيين عدد من أوجه الشبه، وإن كانت على نطاقات مختلفة. ويبقى أن نتساءل عن معرفة إحداهما الأخرى معرفة فعلية قبل الحملات التي جردها الإسكندر الثالث.
في القرن السادس وأوائل الخامس، كان الاتصال الذي ابتدره الفرس مباشرا، كان مباشرا أكثر مما ينبغي من منظور طريقة التفكير المقدونية؛ إذ أتى توسع الفرس بجيشهم إلى شمال بحر إيجة، وغربا إلى حدود دولة مقدونيا الصغيرة؛ ورغم أن داريوس الأول لم يفرض سيطرته عليها، فربما أقام معها علاقة تابع وسيد. وعندما جدد أحشويرش حملة أبيه ضد اليونان، كانت مقدون نقطة انطلاقه، وانضم ملكها الإسكندر الأول إلى ركب القوة الفارسية. أزال النجاح المبهر الذي حققه جنود المشاة الثقيلة والجدافون الإغريقيون الصلة المباشرة بين فارس ومقدون فعليا حتى حكم فيليب الثاني، الذي مدد توسعه حدود مملكته شرقا عبر تراقيا حتى صارت المملكتان جارتين يفصل بينهما بحر بروبونتيس والبحر الأسود. والحقيقة أنه يوجد ما يسوغ اعتقادنا أن فيليب كان يعمل على تأسيس موطئ قدم له في شمال غرب آسيا الصغرى سنة 340 من خلال ارتباطه بهيرمياس، الذي تمكن من الاستقلال بمملكته الصغيرة أتارنيوس عن الفرس. بلغت المعرفة المباشرة بالشئون الفارسية الأرغيين المتأخرين من خلال المسئولين الفرس الذين أيقنوا أن حياتهم ستكون أكثر أمنا في مقدونيا.
حالة أرتبازوس مفيدة بوجه خاص لاستقصائنا عالم الإسكندر. أول من عرف باسم أرتبازوس قائد من قواد حملة أحشويرش ضد الإغريق في 480-479، وولي هذا المنصب القيادي الرفيع بفضل نسبه في المقام الأول، فمن الجائز تماما أنه كان ابن أحد إخوة أخي داريوس. مكث الرجل في اليونان بعض الوقت بعد عودة أحشويرش إلى فارس في أعقاب هزيمته في سلاميس، ولدى عودته كوفئ بمرزبة داسكيليون (آشور الأخمينية)، التي يصفها هيرودوت بأنها «المرموقة أكثر من كل ما سواها من المرزبات وبفاصل كبير»؛ إذ كان مرزبانها «يتقاضى إردبا (حوالي خمسة بوشل) من الفضة كل يوم» (الكتاب الأول، 192)، وظلت المرزبة حكرا على ذريته 90 سنة. ثم حمل ابن حفيد أرتبازوس الاسم ذاته، لكنه على النقيض من جده الأكبر تورط في كفاحات المرازبة الغربيين ضد الملك في ستينيات القرن الرابع، ولما وجد نفسه في وضع محفوف بالمخاطر، قرر الرحيل. شجعه زواجه بامرأة إغريقية، إخوتها قادة مرتزقة متنفذون، على اختيار منفى في الغرب، فرحل مع أسرته (بما فيها أحد أصهاره) إلى منفاهم في مقدونيا حيث نزلوا فيها ضيوفا-أصدقاء على الملك فيليب. دامت إقامتهم هناك حوالي عقد من الزمان حتى أقنع إغريقي من أصهاره - وكان قد قدم خدمات جليلة لبلاد فارس - الملك أرتحششتا الثاني باستدعاء أرتبازوس وأسرته. لكن أتيحت لفيليب أثناء تلك السنوات العشر فرصة معرفة الشيء الكثير عن الوضع في بلاد فارس، ولأهل أرتبازوس فرصة التعرف جيدا على الحياة والناس في بيلا. ومن شبه المؤكد أن إحدى بنات أرتبازوس، وهي بارسين، عرفت الإسكندر في تلك السنوات وكانت تدانيه سنا. وبعد عودة الأسرة إلى فارس، وقع العديد من أفرادها في أسر المقدونيين سنة 332 أو 331، لكن الأسرى لم يعدموا، والواقع أن علاقة جديدة بدأت بين بارسين والإسكندر، وأثمرت ابنا يسمى هرقل ولد حوالي سنة 327.
ربما عرف مزيد من المعلومات من خلال مسئول فارسي آخر وهو أمينابيس الفرثي، الذي سافر إلى بيلا عندما نفاه أرتحششتا الثالث. وقد عاد هو الآخر ولحق برئيسه مزاكيس، مرزبان مصر، في استسلامه للإسكندر الثالث سنة 332.
بالإضافة إلى الاتصالات المباشرة، اكتسب الكثير من خلال الإغريق الذين استمرت اتصالاتهم ببلاد فارس منذ نهاية الحروب الفارسية في 480-479. لجأ أرستقراطيون فرس إلى الدول الإغريقية وإلى مقدونيا، وهاجر إغريق بارزون إلى بلاد فارس؛ فقد عمل كتسياس، الذي ينتمي إلى جزيرة كنيدوس، طبيبا لأرتحششتا الثاني، واشتغل أيضا بوضع مصنفه «برسيكا» في 23 كتابا، ومع أنه لم يصل إلى أيدينا منه إلا شذرات، فمن الممكن أنه كان معروفا لمعاصريه، مقدونيين وإغريق على السواء. وكان زينوفون الأثيني من بين المرتزقة الإغريق الذين خدموا قورش الأصغر، الذي سعى لانتزاع العرش من أخيه أرتحششتا الثاني، وكتب عن الحملة في مؤلفيه «الأنباسة» و«هيلينيكا»، ذاكرا تفاصيل بخصوص المنطقة الغربية من الإمبراطورية الفارسية. وجاءت روايات أبكر عن التفاعل الإغريقي والفارسي في «تاريخ هيرودوت»، وفي «تاريخ الحرب البيلوبونيزية» لثوكيديدس. وكان القائدان الأثينيان الشهيران ثيميستوكليس وألكيبيادس يدينان بالفضل للفرس؛ إذ ختم ثيميستوكليس، أحد أبطال الهزيمة التي ألحقها الإغريق بحملة أحشويرش، حياته كمسئول فارسي في آسيا الصغرى؛ وأما ألكيبيادس، في خضم تذبذبه بين الرضا والغضب في أثينا، فختم حياته في آسيا الصغرى التي لجأ فيها إلى جوار مسئول فارسي كبير.
بمجيء عهد فيليب كانت تلك التفاعلات عدائية؛ إذ سمح القتال الدائم بين الدول-المدن الكبرى لفارس بإعادة تأكيد سلطتها في حوض بحر إيجة. وفي 387-386 فرض أرتحششتا الثاني على الدول الإغريقية اتفاقية تعرف باسم «سلام الملك»، الذي أسلفنا الحديث عنه في هذا الفصل باعتباره المطالبة الفارسية بالسيطرة على كل من الأراضي والشئون الإغريقية؛ وقد أعيد التأكيد على تلك الشروط بعد 15 سنة. ولا نستغرب أن هذه الشروط أثارت احتجاجات ونداءات مطالبة بالتغيير من داخل اليونان؛ إذ جادل إيسقراط الأثيني في خطبته المدحية بأنه لا سبيل إلى سلام دائم بين الإغريق ريثما يتفقوا على شن حرب ضد برابرة آسيا، وكان يدرك فوق ذلك أن العمل المشترك يعتمد على فرد قوي لا دولة-مدينة إغريقية، ومن ثم شجع فيليب في الخطبة التي وجهها إليه حوالي سنة 345 على الاضطلاع بكلا المجهودين، وأعني توحيد اليونان وقيادة جيش لغزو بلاد فارس البربرية. •••
استهل هذا الفصل بالسؤال عما جعل الإسكندر ينظر شرقا لا غربا مثلما فعل أقاربه الإبيروسيون. أحد الأجوبة أن بلاد فارس كانت مألوفة من خلال المعرفة المباشرة وغير المباشرة بتنظيمها، ومن خلال المناطق الغربية من الإمبراطورية، ومن خلال بعض المسئولين المهمين الذين صرحوا يقينا بأسباب لجوئهم إلى بيلا وقدموا يقينا معلومات أخرى، وكان من شأن هذه المعلومات أن تكشف عن وجود «مجال حيوي» وثروة في الشرق. وجواب آخر أن المملكتين كانتا متماثلتين - لم تكونا متطابقتين بالطبع - في نشأتهما وطبيعة حكمهما السياسي ومشكلاتهما. كان إغريق البر الرئيس وآسيا الصغرى يريدون التخلص من التهديد الفارسي، لكنهم بحلول منتصف القرن الرابع لم يكونوا قادرين على تحقيق تلك الغاية لأنفسهم؛ وهكذا كانت في المصادر الإغريقية ذريعة مقبولة في متناول أي حاكم مقدوني، وقبل أن يمضي زمن طويل كان فيليب قد أنجز المهمة الأولى التي حضه عليها إيسقراط وبات بمقدوره أن ينبري للثانية.
Bilinmeyen sayfa