قال «بحيرى»: ألسنا نعلم أنه سيفقد جده ولما يتجاوز السابعة من عمره؟!
قال الراهب الشيخ: بلى!
قال «بحيرى»: ثم ألسنا نعلم أنه سيظل في كفالة عم له يحميه ويرعاه حتى يبلغ أشده، ثم يقوم دونه حين يجد الجد ويتألب عليه عدوه من المشركين؟!
قال الراهب الشيخ: بلى! كل هذا نقرؤه فيما نقرأ من كتبنا، أو نتوارثه فيما نتوارث عن أحبارنا ورهباننا.
قال «بحيرى»: ثم ألسنا نعلم آخر الأمر أن الله قد ميزه من غيره من الناس بعلامة مادية ترى وتحس ويعرفها الراسخون في العلم ولا يرتاب فيها إلا المبطلون أو الجاهلون؟!
قال الراهب الشيخ: بلى! هي هذا الخاتم بين كفيه.
قال «بحيرى»: فإذا حدثتك بأني قد رأيت هذا الصبي، ورأيته مع عمه هذا الذي يكفله، وعرفت أن اسم هذا الصبي محمد، وأن اسم أبيه عبد الله، وأن اسم جده عبد المطلب، هذا الذي رأيته أنت عند أبرهة وحدثتنا من أنبائه بما تعلم.
قال الراهب الشيخ وقد اضطرب لهذا الحديث أشد الاضطراب: وإنك لتزعم أنك قد رأيته؟!
قال «بحيرى»: اللهم اشهد أني رأيته، ورأيته مع عمه أبي طالب، وعلمت ما حدثتك به من أن أباه قد مات عنه جنينا، وعلمت ما أشرت إليه من أن أمه قد ماتت عنه في بعض الطريق ولما يتجاوز السادسة من عمره، وعلمت أنه عاد إلى وطنه تكفله أمة ورثها عن أبيه فبلغته مأمنه وردته إلى جده الذي كفله وحماه. ثم علمت أن جده هذا قد مات عنه وأوصى به إلى عمه، وأن عمه قد قام دونه يكلؤه ويرعاه ويؤثره على ولده، وأن الصبي يبادله حبا بحب ويجزيه حنانا بحنان. ولقد حدثني عمه أنه خرج في تجارته مع قومه، فكان يجد ألما مبرحا لفراق هذا الصبي، ولكنه كان يشفق عليه من مشقة السفر وجهد الطريق. فلما كان اليوم الذي فصلت فيه القافلة تعلق الصبي به وجعل يتوسل إليه في أن يستصحبه، ويزعم له أنه لا يستطيع المقام إلا في كنفه. فصادف دعاء الصبي هوى في نفس الشيخ فاستصحبه، ومر به على صومعتي فيمن مر من قومه وهم يقصدون قصد الشام.
قال الراهب الشيخ وقد بهره ما سمع وقد أطرق القوم من حوله سكوتا كأنما عقدت ألسنتهم فلا يستطيعون أن يديروها في أفواههم: ولكن كيف عرفته؟ وكيف اهتديت إلى مكانه من قومه؟
Bilinmeyen sayfa