Sıra Kenarında

Taha Hüseyin d. 1392 AH
154

Sıra Kenarında

على هامش السيرة

Türler

قال أبو مرة وهو يملأ له القدح: «اشرب أبا الحكم على بغض محمد؛ فقد علمت أن رجلا واحدا لن يبلغ منه شيئا، وأن رجلين اثنين لن يبلغا منه شيئا، وأن رجالا كثيرين لن يبلغوا منه شيئا حتى تجمع قريش كلها على قتله، فيومئذ تبلغ قريش ما تريد. فإلى هذه الغاية فاسع منذ اليوم.»

ولم يقصر أبو جهل في السعي إلى غايته تلك التي رسمها له حليفه الأثيم، وإن كان قد أمسك أياما عن الإلمام بأندية قريش، كان خجلا مستخذيا من انهزامه ذاك عن محمد، ومن قصة الفحل التي تحدث بها إلى قومه، فأظهروا التصديق ولكنهم ظنوا بشجاعته الظنون، وأخذوا يتعابثون به وبقصة الفحل كلما أحدث لهم منه ذكرا. وتريد شقوة أبي جهل ذات يوم أن يدخل المسجد أعرابي، فيقف على بعض أنديتهم يستعين بهم على سيد من سادات قريش قد اشترى منه إبلا ثم التوى عليه بثمنها لا يؤديه إليه، فإذا سئل الأعرابي عن هذا السيد من يكون قال: هو أبو الحكم عمرو بن هشام، فيتضاحك القوم ويقول بعضهم للأعرابي: أترى إلى هذا الرجل الوسيم الصبيح قد جلس من البيت غير بعيد! إنه وحده الذي يستطيع أن ينصفك من عمرو بن هشام، فاذهب إليه فستجد منه عونا وتأييدا حتى ترضى. وكان هذا الرجل الوسيم الصبيح محمدا رسول الله، فيذهب إليه الأعرابي والقوم مغرقون في الضحك قد سخروا منه وخيل إليهم أنهم قد سخروا من رسول الله. وأقبل الأعرابي على محمد

صلى الله عليه وسلم

فاستعانه واستنصفه. وينظر الملأ من قريش، فإذا محمد قد قام، وإذا هو يمضي والأعرابي يتبعه، فيقولون لأحدهم اتبعهما وعد إلينا من أمرهما بما يكون. ومضى محمد والأعرابي وراءه ورسول قريش يرقبهما من بعيد. حتى إذا بلغ محمد دار أبي جهل طرق الباب، فخرج إليه عمرو بن هشام ووجهه ممتقع ما فيه قطرة دم. قال محمد: «أد إلى هذا الرجل حقه.» قال أبو جهل: «نعم! لا تبرح حتى يرضى.» ودخل داره ثم عاد فأدى إلى الرجل ما له وانصرف راضيا، فعاد إلى ندي قريش يثني عليهم ويقول: صنع الله لكم! لقد أنصفني صاحبكم وما تركني حتى أدى أبو الحكم إلي حقي. فتعجب قريش ويقول بعضهم لبعض: إنه والله الفحل الذي رآه أبو الحكم منذ حين. حتى إذا لقوا أبا جهل فيما بعد سألوه فينبئهم: «إنه الفحل كان يسعى بين يدي محمد، ولو قد التويت بحق هذا الأعرابي لما أنظرني.»

على أن أبا جهل جد في سعيه، وجد النكير بين المسلمين والمشركين واشتد نعي محمد على قومه وعيبه لآلهتهم، وأنزل الله من القرآن آيات وسورا كانت تدمغ قريشا وتؤذي ما كانت تعتز به من الصلف والكبرياء أشد الإيذاء. وقد حاول الملأ من قريش أن يعطوا محمدا الرضا فلم يقبل منهم إلا الإيمان، ولم يستطيعوا أن يعطوه الإيمان. وحاول الملأ من قريش أن يخذلوا أبا طالب عن ابن أخيه فلم يزيدوه إلا جدا في نصره وحمايته، حتى استطار الشر وعظم الخطب، ولم يبق بد لقريش من أن تسمع لمشورة أبي جهل وتصير إلى ما كان يريد.

وقد صارت قريش إلى ما أراد أبو جهل وحليفه أبو مرة، فاجتمع الملأ منهم وكتبوا صحيفتهم تلك يقطعون فيها رحم بني هاشم ويحظرون فيها على قريش أن يكون بينهم وبين بني هاشم بيع أو شراء أو صهر أو تواصل ما. وانحاز بنو هاشم مع أبي طالب إلى شعبهم فحصروا فيه، حتى اشتد عليهم الجهد وعظم عليهم البلاء، وحتى جاع صبيتهم فما ينامون الليل، ولكنهم مع ذلك صبروا للمحنة كراما واحتملوها أعزة شما. منهم من كان يؤمن لمحمد فهو يصبر طاعة لله وجهادا في سبيله. ومنهم من كان على جاهليته فهو يصبر عصبية للحسب والنسب، وإباء للضيم، وبغضا لسوء القالة. ولم يقض أبو جهل أياما كانت أحب إليه من هذه الأيام؛ فقد كان سعيدا بظلم بني هاشم ناعما بما يلقون من جهد، قد وجه قومه إلى حيث يريد فاتبعوه، واتبعوه جميعا لم يكد يخالف عن أمره منهم أحد.

ورضي أبو مرة كل الرضا، وكان يقول له وهو يساقيه البغض: «إنك لتدنو من الغاية يا أبا الحكم. فأنتم أولاء قد كدتم تجمعون على قطيعة محمد وبني هاشم، وليس بينكم وبين الإجماع على حربه وحربهم إلا خطوات قصار.»

ولكن أبا طالب يغدو ذات يوم فيدخل المسجد ويطوف بالبيت، ثم يقف على ناد من أنديتهم فيقول: «يا معشر قريش! إن ابن أخي قد أنبأني بشيء سأنبئكم به، فإن كان قد صدقني فكفوا عما أنتم فيه من ظلمنا وقطيعتنا، وإن كان قد كذبني دفعته إليكم فقتلتموه وعادت العافية إلى قريش.»

قالوا: «أنصفتنا والله يا أبا طالب. فبماذا أنبأك ابن أخيك؟»

قال: «أنبأني بأن صحيفتكم تلك التي تعاهدتم فيها على ظلمنا وقطيعتنا وعلقتموها في جوف الكعبة قد عدت عليها الأرصفة فمحت كل شيء فيها إلا اسم الله، فاعمدوا إلى صحيفتكم هذه فانظروا فيها.» وعمدت قريش إلى الصحيفة وهي لا تشك في أن أبا طالب قد غر عن نفسه. ولكن القوم ينظرون إلى الصحيفة فإذا محمد لم يقل لعمه إلا الحق، وإذا الصحيفة قد محي كل شيء فيها إلا اسم الله فإنه لم يمسه سوء. فسقط في أيدي قريش، وأخذ الملأ يتلاومون على ما تعجلوا به من وعد أبي طالب بالنصفة، وأخذ بعضهم مع ذلك يقول: «لا والله لا نكذب الشيخ ولا نخلفه وعدنا. ولقد علمنا أن هذه الصحيفة كانت شؤما، لقد شلت يد كاتبها. ولا والله ما جرت علينا القطيعة إلا شرا. كيف نأكل ونشرب وننام وننعم بالطيبات، وإخواننا جياع قد بلغ بهم الضر كل مبلغ؟!»

Bilinmeyen sayfa