Sıra Kenarında

Taha Hüseyin d. 1392 AH
149

Sıra Kenarında

على هامش السيرة

Türler

وأصبحت قريش فاجتمعت في أنديتها حول البيت كدأبها في كل يوم. وإنهم لفي أحاديثهم وإذا قائل منهم يقول: «انظروا يا معشر قريش هذا والله العجب.» فينظرون فلا يروعهم إلا الوليد بن المغيرة قد أقبل يتوكأ على ابن أخيه عمرو بن هشام باسما به متحدثا إليه. يقول بعض قريش لبعض: والله إن للوليد بن المغيرة لشانا، ما علمناه إلا عنيف الغضب إذا غضب، بطيء الرضا إذا رضى، عنيدا إذا خاصم، وما علمنا ابن أخيه عمرا إلا مثله أنفة وكبرياء، وقد باعد بينهما ما رأينا وسمعنا من ذلك الخلاف والحوار، حتى قال الوليد لابن أخيه إنه ابن سوء، فماذا قرب بينهما؟ وأيهما سعى إلى صاحبه؟

قال شيبة بن ربيعة: «ما أحسب إلا أن الشيخ هو الذي تقرب إلى ابن أخيه، وقد رأيت أحد غلمانه، يلم بنا في بعض مجالسنا فيلقي في أذن أبي الحكم حديثا قصيرا ثم ينصرف.»

وكانت قريش تتحدث بهذه الألفة بين الرجلين على حين كان الوليد وابن أخيه يطوفان بالبيت. وكان الوليد يطوف كما تعود غير آبه ولا مكترث، وإنما هو عبء يلقيه عن نفسه كعادة الملأ من قريش إذا غدوا على أنديتهم بالمسجد من كل يوم. ولكن عمرا كان يطوف في هيئة لفتت إليه أشراف قومه، فيها كثير من الاجتهاد والاحتفال، وفيها كثير من التواضع والتضاؤل، وقد ظهر على وجه الفتى شيء من الإيمان بما كان يفعل والصدق فيه، حتى قال بعض قريش لبعض: «والله لقد دعا أبو الحكم إلى سنة قومه واجتهد فيها، وما نرى إلا أن قد ذهب عنه ما ألفنا عنده من السخرية بكل شيء والازدراء لكل شيء.»

حتى إذا فرغ الرجلان من طوافهما أقبلا فسلما وجلسا، ولم يجرؤ أحد أن يدخل فيما كان بينهما من نفور، وفيما استأنفا من تواصل ومودة، وإنما أخذوا في المألوف من أحاديثهما كأن لم يكن بينهم شيء. حتى أقبل النضر بن الحارث مهرولا، فطاف بالبيت عجلا أشد العجلة، حتى لاحظ الملأ ذلك، فقال بعضهم لبعض: إن للنضر اليوم لحديثا يريد أن يلقيه إلينا، ألا ترونه يعجل بطوافه أشد العجلة! وقد كان للنضر حديث يريد أن يلقيه إليهم حقا، فما كاد يفرغ من طوافه حتى أقبل إليهم مسرعا، فسلم وأخذ مجلسه. وابتدره عمرو بن هشام قائلا في دعابة حلوة: «ما وراءك يا نضر؟ هات فوالله إن لديك حديثا تريد أن تلقيه إلينا.»

قال النضر: «وأي حديث! ألم تعلموا أن قد حدث لبني عبد المطلب شأن؟!» قال الوليد: «وما ذاك؟» قال النضر وهو يضحك: «ظهر فيهم نبي هذه الأمة يتلقى أخبار السماء فيبلغها إلى الناس.» قال عمرو بن هشام مسرعا: «وهذا النبي هو محمد؟!» قال النضر: «هو محمد والله! لقد كنا نعجب لما كان يروى لنا من أخبار عبد المطلب حين أمر في المنام أن يحتفر زمزم وحين خاصم قومه فيها ففجر له الماء تفجيرا، وحين قام مقامه من صاحب الفيل، وحين فادى بابنه ذاك فداءه المعروف. ووالله لقد كنا نعجب لما كان الناس يحدثوننا به من أمر حفيده محمد بن عبد الله ذاك الذي فودي به فلم يمهله الموت في مكة إلا ليدركه في يثرب منصرفه من الشام؛ فقد كانوا يحدثوننا عن هذا الفتى بالعجب من الحديث حين كان صبيا ينشأ، وحين كان غلاما يشب، وحين كان فتى يستكمل رجولته وقوته، ولقد كنا نحبه ونكرمه ونؤثره بخير ما عندنا من المودة والمعروف، حتى سميناه الأمين ورجعنا إليه في كل ما كان يحزبنا من الأمر. وما أرى إلا أننا قد أغريناه وأبطرناه، فهو الآن يستألف سيرة جده عبد المطلب ولا يدع الناس يتحدثون عنه بالأعاجيب، بل يتحدث هو بها عن نفسه، فيزعم أن الملائكة تتنزل عليه بأحاديث السماء، وأنه قد أمر أن يبلغ هذه الأحاديث إلى الناس ويدعوهم إلى بدع من الأمر والله ما سمعنا به في آبائنا الأولين.»

قال عمرو بن هشام وقد ظهر في وجهه غيظ شديد: «إيه! ورب هذه البنية

5

لقد أغريتموه وأبطرتموه. وما أكثر من تغرون ومن تبطرون! وما أرى إلا أنكم ستلقون من هذا كله شططا. أفلم أكن أحدثكم منذ أيام يا شيبة بن ربيعة بأمر نسطاس وأمثاله من هؤلاء الأعاجم الذين تمدون لهم أسباب العيش، وتيسرون لهم ما تعسرون على غيرهم من العرب؟! ألم أكن أذكر لكم أن هؤلاء الأعاجم ما هم إلا عيون قيصر علينا، يفدون علينا تجارا، ويقيمون بين أظهرنا أحرارا، يقولون لنا ويسمعون منا، ويذيعون فينا البدع، ويكيدون لنا الكيد، ثم ينصرفون عنا وقد أخذوا من أموالنا ما أرادوا، وعلموا من أمرنا ما أحبوا، واذاعوا فينا من مذاهبهم وآرائهم ما لا عهد لنا به؟! فهؤلاء هم الذين أفسدوا علينا زيد بن عمرو، وورقة بن نوفل، وغيرهما من كرام قومنا. وما محمد إلا أحد هؤلاء.»

قال الوليد بن المغيرة: «على رسلك يابن أخي! إنك لمجتهد في النعي على هؤلاء الروم، ولقد كنت أشدنا لهم معاشرة، وأكثرنا لهم مخالطة. ولقد نهيتك عنهم وعن نسطاس منهم خاصة، فلم أكن أرى منك إلا نأيا وازورارا. ولا والله ما أعلم أن محمدا كان يختلف إلى نسطاس أو إلى أشباه نسطاس، كما كنتم تختلفون إليه وكما تختلفون إلى أمثاله من تجار الروم، وما علمت من أمره إلا خيرا. إنه لأفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقا، وأكرمهم مخالطة، وأحسنهم جوارا، وأعظمهم حلما وأمانة، وأصدقهم حديثا، وأبعدهم من الفحش والأذى، وما رئى ملاحيا ولا مماريا أحدا، حتى سميناه الأمين لما تبينا فيه هذه الخصال. فإن كان قد جاء بما يحدثنا النضر أنه قد جاء به، فلا أحب أن أعجل في أمره. وما أظن أنه يريد أن يدخل على قومه سوءا. وإنه لأبر الناس بقومه، وأوصلهم رحما، وأقربهم لهم مودة، فاستبينوا أمره قبل أن تقولوا فيه بما لا تعلمون.»

قال عتبة بن ربيعة: «وكيف علمت ما علمت من أمره يا نضر؟»

Bilinmeyen sayfa