قال أرقم لنفسه والحمار ينحدر به من القلعة: الآن قد وضعت السيف في قفا قنصوه الغوري، وتوشك الدنيا أن تطهر من ذلك الثعلبان الشيخ.
وقال السلطان لنفسه وهو يدور في غرفته قلقا حيران لا يكاد يستقر على حال: الآن ينبغي أن أتدبر أمري وأمر قصروه، فأناله قبل أن ينالني، ولست أدري كيف غاب عني قبل اليوم أن قصروه إنما يتحبب إلى الشعب ليجد منهم جنده حين يثب وثبته على العرش؟! فالحمد لله إذ انكشف لي أمره قبل أن يأخذني على غرة وينال مناله!
وأعد السماط السلطاني، وجلس إليه السلطان عابس الوجه شارد اللب، لا يكاد يمد يده إلى شيء من الطعام، وجلس كبير الأمناء قصروه إلى جانب مولاه يلحظه قلقا، لا يكاد يجد مذاق الطعام في فمه، وكان حولهما على السماط أمراء من حاشية السلطان لم يشغلهم شيء عن طيبات الطعام والشراب والفاكهة، وعن التندر والمفاكهة، فإنهم ليأكلون أكل الفارغين، ويمزحون مزح السكارى.
وقال قصروه وقد أوشك الندل أن يرفعوا المائدة: حرس الله مولاي السلطان وجنبه العوادي، ماذا بك اليوم يا مولاي؟
وابتسم السلطان ابتسامة غامضة، وقال وقد ثبت عينيه في عيني كبير أمنائه: أنا والله خائف منك يا أمير.
وغص كبير الأمناء بريقه، وتوقف الأمراء عما كانوا فيه، واتجهوا بأنظارهم إلى حيث كان يجلس السلطان وكبير أمنائه، وأطبق الصمت على المكان ...
ثم لم يلبث الأمراء أن غادروا المجلس، وخرج قصروه وقلبه يحدثه بالشر الذي يتربص به ...
ثم انقضى الليل، فلم يكد الناس يصبحون فيغدون على أعمالهم، حتى جاءهم نعي قصروه كبير أمناء السلطان ...
وانهارت الدعامة العظيمة التي يستند إليها عرش السلطان العادل طومان باي، وآذن صبحه بليل.
الفصل التاسع عشر
Bilinmeyen sayfa