117

وكان أبناء سوار في جيش السلطان سليم، فتدانت لهم الآمال في العودة إلى الإمارة التي كانت لأبيهم في يوم ما قبل أن يليها علاء الدولة، فتقدموا الصفوف يطلبون الثأر ... وانحاز إليهم من انحاز من جند علاء الدولة، ولاء لأبيهم، ودارت الدائرة على علاء الدولة، وسيق هو وأمراء جنده أسرى إلى السلطان سليم، فاحتز رءوسهم وأرسلها هدية إلى السلطان الغوري في القاهرة. ووثب ابن سوار إلى عرش أبيه ... تؤيده جند السلطان سليم!

ورفرف لواء الدولة العثمانية على أول أرض مصرية، وتلبث السلطان سليم ينتظر رجع الصدى، فلم يتقدم إلى شمال أو إلى يمين.

قال خشقدم الرومي: أما إنك يا مولاي قد حميت ظهرك من إسماعيل الصفوي بتولية ابن سوار على هذه الإمارة، فلو شئت لمضيت في طريقك حتى تغلب على حلب ودمشق، وتحتاز الشام من أطرافها فلا يقف في سبيلك شيء.

قال السلطان سليم ضاحكا: إنك يا خشقدم لتتعجل الأمر قبل أوانه، ومن أين لنا الجند والعتاد حتى نتغلب على حامية حلب، فننفذ منها إلى دمشق والشام، ونحتاز البلاد من أطرافها كما تأمل، وفي حلب قوة مصرية لا يثبت لها جيش من الروم؟!

قال خشقدم منكرا: أفلا يزال مولاي يشك في ولاء خاير بك، على ما قدم من المواثيق وأمارات الطاعة، أم أن مولاي لا يراه أهلا للوفاء بما وعد من نصرة جيش الروم؟!

قال السلطان: بلى، ولكن خاير جركسي كما تعلم، فلست آمن أن ينتقض علينا حين يجد الجد؛ انتصارا لبني جنسه.

قال خشقدم ضاحكا: وهل علم مولاي لجركسي من هؤلاء المماليك عاطفة تحن به إلى أهله أو تربطه بوطنه، وإنما يقتل بعضهم بعضا ليبلغوا العرش، يستمتعون به حينا حتى يأتي من يقتلهم ليبلغ من بعدهم ذلك العرش، ويتخلق بدم السلطان القتيل! ثم هنالك يا مولاي جان بردي الغزالي أمير حماة، فقد عقد لي المواثيق والأيمان، وهنالك سيباي أمير الشام.

فقاطعه السلطان سليم قائلا: أما سيباي فلست آمن جانبه، على ما تصف مما بينه وبين الغوري من أسباب العداوة والبغضاء.

قال خشقدم: نعم، ولكنه إلا يكن معنا فلن يكون علينا، فنحن على الحالين في أمان منه.

قال الوزير أحمد بن هرسك: يا مولاي! إنها أماني تهتز لها النفس، ولكنها لا تغني من الحق شيئا؛ لقد كنت أمير الجند في تلك الحرب التي كانت بين جيش أبيك وجند قايتباي في ذلك التاريخ البعيد، وكأني أرى بعيني الساعة مصارع جندي على تلك الغبراء، لا يكاد يثبت جندي منهم لطعنة مصرية، وقد رأيتني يومئذ وأنا أقاد أسيرا في الأغلال إلى مجلس السلطان قايتباي في القاهرة، فيعفو عني ويمن علي بالحرية، وهو يقول لي باسما: «كيف رأيت جيش مصر يا أمير؟» وأقسم لمولاي صادقا أنني لم أومن في حياتي بحقيقة، كما آمنت يومئذ ولا أزال أومن حتى اليوم بأن جيش مصر لا يغلب، وقد آليت من يومئذ ألا أرفع سيفي في وجه مصري من أهل القبلة ... فإن شاء مولاي فقد بذلت له النصح.

Bilinmeyen sayfa