عجَالة الإملاءِ المتَيسرةِ من التذنيب
عَلى ما وقَع للحَافِظ المنذِري
مِنَ الوَهْم وغيره
في كِتابه
«الترغيب والترهيب»
للحَافِظ أبي إسحاق إبراهيم بن محَمَّد بن محمود الدِمَشقي
الملَقب بالنّاجي
(٨١٠ - ٩٠٠ هـ)
تحقِيق وَدِرَاسة
الدكتور إبراهيم بن حماد الريس
عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين بالرياض
الدكتور محمد بن عبد الله بن علي القنّاص
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم
المجلد الأول
1 / 1
جميع الحقوق محفوظة للناشر، فلا يجوز نشر أي جزء من هذا الكتاب، أو تخزينه أو تسجيله بأية وسيلة، أو تصويره أو ترجمته دون موافقة خطية مُسبقة من الناشر.
الطبعة الأولي
١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م
(ح) مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، ١٤٢٠ هـ
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر
الدمشقي، إبراهيم محمد
عجالة الإملاء المتيسرة في التذنيب على ما وقع للحافظ المنذري من الوهم وغيرة كتابة الترغيب والترهيب/ تحقيق إبراهيم حماد الريس - الرياض.
٤٩٦ ص، ١٧.٥ × ٢٥ سم
ردمك ٣ - ٤٠ - ٨٣٠ - ٩٩٦٠ (مجموعة)
[١ - ٤١ - ٨٣٠ - ٩٩٦٠ (ج ١)]
(١ - الحديث - جوامع الفنون أ- الترغيب والترهيب في الإسلام)
أ- الريس، إبراهيم حماد (محقق) ب- العنوان
ديوي ٢٣٧.٣ - ٤٥٣٨/ ١٩
رقم الإيداع: ٤٥٣٨/ ١٩
ردمك: ٣ - ٤٠ - ٨٣٠ - ٩٩٦٠ (مجموعة)
[١ - ٤١ - ٨٣٠ - ٩٩٦٠ (ج ١)]
مَكتَبة المعَارف للنشر وَالتوزيع
هَاتف: ٤١١٤٥٣٥ - ٤١١٣٢٥٠
فاكس ٤١١٢٩٣٢ - بَرقيًا دَفتر
صَ. بَ: ٣٢٨١ الرياض الرمز البريدي ١١٤٧١
سجل تجاري ٦٣١٣ الرياض
1 / 2
عجَالة الإملاءِ المتَيسرةِ من التذنيب
عَلى ما وقَع للحَافِظ المنذِري
مِنَ الوَهْم وغيره
المجلد الأول
1 / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ (١). ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (٢). ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ (٣)
أما بعد (٤):
فإن السنة هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، إذ هي مفسرة لنصوصه، مبينة لمعناه، مخصصة لعامه، مقيدة لمطلقه، وقد
_________
(١) سورة آل عمران، آية: ١٠٢.
(٢) سورة النساء، آية: ١.
(٣) سورة الأحزاب، آية: ٧٠ - ٧١.
(٤) هذه هي خطبة الحاجة التي كان النبي ﷺ يعلمها لأصحابه كما يعلمهم التشهد للصلاة.
انظرها: في سنن أبي داود ٦ - كتاب النكاح ٣٣ - باب في خطبة النكاح ٢/ ٥٩١ - ٥٩٢، وسنن ابن ماجة ١/ ٦٠٩ ح ١٨٩٢، وللشيخ الألباني رسالة خاصة فيها.
1 / 5
أمرنا الله ﷾ باتباع هدي رسوله ﷺ حيث يقول سبحانه ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ (١).
وقد قيض الله لهذه السنة جهابذة العلماء على مر العصور، فنفوا عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وبينوا صحيحها من سقيمها وناسخها من منسوخها.
وقد تنوعت اهتمامات العلماء في خدمة السنة، فشملت مجالات واسعة وميادين فسيحة.
ومن تلك الجهود القيمة في خدمة السنة ما قام به جمع من العلماء الحفاظ من إفراد أحاديث الترغيب والترهيب في تصنيف مستقل، ومن أبرز المصنفات في هذا الفن وأشهرها: كتاب الترغيب والترهيب للحافظ زكي الدين عبد العظيم المنذري.
فهو أجمع وأنفع ما ألف في موضوعه، فقد استوعب عددًا كبيرًا من أحاديث الترغيب والترهيب في مختلف أبواب الشريعة الغراء، مما تفرق في بطون الكتب الستة وغيرها، فجاء كتابه حافلًا حاويًا رائدًا في بابه، فردًا في فنه.
لكن الإمام المنذري ﵀ قد أملاه في ظروف حرجة، وحالة قلقة، وقد وصف ذلك في آخر الكتاب، فقال: "وقد تم ما أرادنا الله به من هذا الإملاء المبارك، ونستغفر الله -سبحانه- مما زل به اللسان، أو داخله ذهول، أو غلب عليه نسيان فإن كل مصنف، مع التؤدة والتأني وإمعان النظر وطول الفكر، قل أن ينفكّ عن شيء من ذلك، فكيف بالمملي مع ضيق وقته، وترادف همومه، واشتغال باله، وغربة وطنه وغيبة كتبه؟! " (٢).
ونتيجة لتلك الظروف التي ألمت بالمنذري ﵀ حال إملائه للكتاب وقعت فيه أوهام وأخطاء متنوعة تطلبت استدراكًا وتعقبًا.
فجاء الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن محمود الدمشقي الملقب بالناجي، فتتبع واستدرك ما تيسر له في كتابه: "عجالة الإملاء المتيسرة من
_________
(١) سورة الحشر، آية: ٧.
(٢) الترغيب ٤/ ٥٦٥ - ٥٦٦.
1 / 6
التذنيب على ما وقع للحافظ المنذري من الوهم وغيره في كتابه الترغيب والترهيب".
وقد رأيت أن أجعل تحقيق القسم الأول من هذا الكتاب موضوع رسالتي لنيل درجة الماجستير.
وهناك أسباب دفعتني إلى اختيار هذا الكتاب أهمها:
١ - أهمية الكتاب الأصل المستدرك عليه، وهو كتاب الترغيب والترهيب، وقد أفردتُ للحديث عنه مبحثًا مستقلًا.
٢ - قيمة الكتاب العلمية، حيث اشتمل على تعقبات واستدراكات على كتاب الترغيب والترهيب في غاية من الأهمية.
٣ - الرغبة في المشاركة في إحياء التراث الإسلامي، ونفض الغبار عن درره الثمينة مع الرغبة في اكتساب الخبرة في تحقيق المخطوطات، والتمرس على تخريج الأحاديث من مصادرها المتعددة، وعلى دراسة الأسانيد.
٤ - ما لقيتُه من تشجيع بعض المشايخ والأساتذة والإخوة المهتمين بهذا الفن، مع ما وقفت عليه من كلام لفضيلة الشيخ الألباني -حفظه الله- حيث أثنى على الكتاب، ووصفه وصفًا رائعًا في مقدمة كتابه صحيح الترغيب، فقد قال -بعدما اطلع على الكتاب، واستفاد منه فائدة كبيرة في عمله في كتاب الترغيب والترهيب- ما نصه:
"ولا بد لي هنا من الإشارة بأنني استفدت التنبيه على الكثير من هذه الأوهام -يعني الأوهام التي وقعت للحافظ المنذري- من كتاب الحافظ العلامة الشيخ إبراهيم الناجي ... الذي سماه في مقدمته إياه بـ: "عجالة الإملاء المتيسرة من التذنيب على ما وقع للحافظ المنذري من الوهم وغيره في كتابه: الترغيب والترهيب"، وهو -لعمر الله- كتاب هام جدًا، دل على أن مؤلفه ﵀ كان على ثروة عظيمة من العلم، وجانب كبير من دقة الفهم جاء فيه بالعجب العجاب، طرزه بفوائد كثيرة تسر ذوي الألباب، قلما توجد في كتاب" (١).
_________
(١) مقدمة صحيح الترغيب ١/ ٦٢ - ٦٣.
1 / 7
وقال في موضع آخر:
"وقد كنت وقفت على نسخة مخطوطة من "العجالة" في المكتبة المحمودية في المدينة المنورة ... فأعجبني جدًا غزارة علمه وسعة اطلاعه، وكثرة فوائده، فكنت أتردد على المكتبة، كلما سنحت لي الفرصة، أنهل من علمه، وألتقط من ملاحظاته وفوائده، وأقيد ما لا بد منها على حاشية نسختي من الترغيب والترهيب" (١).
وقد كان مسار عملي في هذا البحث على الخطة التالية:
١ - مقدمة في سبب اختيار الموضوع وأهميته.
١ - القسم الأول: وفيه مباحث:
المبحث الأول:
ترجمة موجزة للحافظ المنذري، وتشتمل على ما يلي:
أولًا: اسمه ونسبه.
ثانيًا: مولده ونشأته.
ثالثًا: أهم شيوخه.
رابعًا: أهم تلاميذه.
خامسًا: مكانته وثناء العلماء عليه.
سادسًا: أهم مؤلفاته.
سابعًا: وفاته.
المبحث الثاني:
دراسة عامة موجزة لكتاب الترغيب والترهيب للمنذري وتشتمل على ما يلي:
أولًا: الباعث على تأليفه.
ثانيًا: موضوعه.
ثالثًا: مصادره وكيفية عزوه إليها.
_________
(١) المصدر السابق ١/ ٦٤.
1 / 8
رابعًا: اصطلاحه في الكتاب ومناقشته.
خامسًا: حكمه على الحديث.
سادسًا: القيمة العلمية للكتاب.
سابعًا: الكتب المؤلفة في هذا الفن.
المبحث الثالث:
ترجمة للشيخ الناجي وتشتمل على ما يأتي:
أولًا: عصره.
ثانيًا: اسمه ونسبه ولقبه.
ثالثًا: ميلاده ونشأته.
رابعًا: شيوخه.
خامسًا: تلاميذه.
سادسًا: مكانته وثناء العلماء عليه.
سابعًا: مؤلفاته.
ثامنًا: وفاته.
المبحث الرابع:
دراسة مفصلة لكتاب "العجالة" في القسم المحقق وتشتمل على ما يلي:
أولًا: تحقيق اسم الكتاب، وإثبات نسبته للمؤلف.
ثانيًا: موضوع الكتاب.
ثالثًا: منهج المؤلف فيه.
رابعًا: تعقبات المؤلف على كتاب الترغيب وتقويمها.
خامسًا: أهم مميزات الكتاب.
سادسًا: أهم المآخذ عليه.
سابعًا: موارده في الكتاب.
1 / 9
المبحث الخامس:
وصف النسخ الخطية المعتمد عليها في التحقيق.
المبحث السادس:
منهجي في تحقيق الكتاب، والتعليق عليه.
٣ - القسم الثاني: النص محققًا معلقًا عليه طبقًا للخطة السابقة.
٤ - القسم الثالث: الخاتمة والفهارس وتشتمل على ما يلي:
أولًا: فهرس للآيات.
ثانيًا: فهرس للأحاديث والآثار.
ثالثًا: فهرس للأعلام.
رابعًا: فهرس للأماكن والبلدان.
خامسًا: فهرس للمصادر والمراجع.
سادسًا: فهرس للموضوعات.
هذا وختامًا فإني أتوجه بالثناء والشكر إلى الله ﷾ على ما يسره لي من جهد ووقت، ثم أتقدم بوافر الشكر وخالص الدعاء لفضيلة المشرف على هذه الرسالة الدكتور باسم فيصل الجوابره على توجيهاته ومتابعته لسير عملي في هذه الرسالة، فلم يبخل عليّ بوقت ولا رأي فجزاه الله خيرًا.
وأشكر أيضًا كل من أعانني على تخطي عقبة أو حل إشكال أو تسهيل الحصول على كتب ومراجع ليست تحت يدي، أتقدم إليهم بالشكر والثناء.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
وكتبه
محمد بن عبد الله بن علي القناص
في ١/ ٧/ ١٤٠٨ هـ
1 / 10
المبحث الأول
ترجمة موجزة للحافظ المنذري
وتشتمل على ما يلي:
أولًا: اسمه ونسبه
ثانيًا: مولده ونشأته
ثالثًا: أهم شيوخه
رابعًا: أهم تلاميذه
خامسًا: مكانته وثناء العلماء عليه
سادسًا: أهم مؤلفاته
سابعًا: وفاته
1 / 11
نظرًا لأن كتابنا موضوع البحث هو تتبع وكشف لأوهام وقعت في كتاب الترغيب والترهيب للحافظ المنذري، لذلك فإني سأذكر تعريفًا موجزًا بالمنذري وكتابه الترغيب والترهيب، كمدخل للموضوع.
وقد سبق أن تناول الترجمة للمنذري الدكتور بشار عواد معروف، في كتابه: "المنذري وكتابه التكملة لوفيات النقلة".
وكانت ترجمة وافية ضافية، فقد استغرقتْ ستًا وتسعين ومائة صفحة من القطع المتوسط، استعرض فيها سيرة الحافظ المنذري بتوسع وبسط، وأبرز كافة الجوانب الشخصية والعلمية للإمام المنذري، معتمدًا في ذلك اعتمادًا رئيسًا على كتبه ولا سيما كتابه التكملة لوفيات النقلة، على حين أن المصادر التي ترجمت للمنذري لم تكتب عنه أكثر من صفحتين أو ثلاث، واكتفى أغلبها ببضعة أسطر، على الرغم من شهرة المنذري وطول باعه في العلم.
وقد استفدتُ في هذه الترجمة الموجزة مما كتبه الدكتور بشار عواد في كتابه السابق.
1 / 13
أولًا: اسمه ونسبه:
هو زكي الدين أو محمد عبد العظيم بن عبد القوي (١) بن عبد الله بن سلامة بن سعد بن سعيد المنذري.
هكذا ذكر نسبه في ترجمة والده، وذكر أن أصلهم من الشام وأن والده مصري المولد والدار (٢).
أما نسبة "المنذري" فقد قال الدكتور بشار عواد: "ليس لدينا معلومات أكيدة فيما إذا كانت هذه النسبة إلى أحد أجدادهم، أو أنها نسبة إلى المناذرة اللخميين أصحاب الدولة المشهورة".
ثم قال: "والملاحظ أن المؤلف لم يذكر في نسب والده رجلًا باسم "المنذر" لنستطيع ترجيح الرأي الأول، كما أنه لم يذكر أنهم من لخم
_________
(١) مصادر الترجمة:
١ - سير أعلام النبلاء ٢٣/ ٣١٩.
٢ - تذكرة الحفاظ ٤/ ١٤٣٦.
٣ - العبر في خبر من غبر ٣/ ٢٨١.
٤ - فوات الوفيات ٢/ ٣٦٦.
٥ - طبقات الشافعية ٥/ ١٠٨.
٦ - البداية والنهاية ١٣/ ٢١٢.
٧ - طبقات الحفاظ ص: ١١٣.
٨ - كشف الظنون ١/ ١٢٨، ٤٠٠، ٤٩٠، ٥٥٨، ٥٨٩، ٢/ ١٠٠٤، ١١٧٢، ١٧٣٥، ١٧٣٧.
٩ - شذرات الذهب ٥/ ٢٧٧.
١٠ - هدية العارفين ١/ ٥٨٦.
١١ - فهرس الفهارس ٢/ ٥٦٢.
١٢ - الأعلام ٤/ ٣٠.
١٣ - معجم المؤلفين ٥/ ٢٦٤.
١٤ - المنذري وكتابه التكملة لوفيات النقلة.
١٥ - مقدمة كتاب التكملة لوفيات النقلة ١/ ١٩.
(٢) انظر: التكملة لوفيات النقلة ١/ ٢٦٣.
1 / 14
لنستطيع ترجيح كونهم من القبيلة" (١).
ثانيًا: مولده ونشأته:
ولد زكي الدين عبد العظيم في غرة شعبان سنة ٥٨١ هـ، وقد ذكر ذلك في كتابه التكملة (٢).
وكان مولده بفسطاط مصر بكوم الجارح، الذي كان يتصل برحبة موقف الطحانين، حيث كانت دارهم هناك (٣).
نشأته: نشأ عبد العظيم في مصر بعد أن أنهى الأيوبيون فيها حكم دولة العبيديين المسماة "بالدولة الفاطمية" سنة ٥٦٧ هـ، وهو عهد ليس ببعيد عن حياة المؤلف.
واعتنى به والده منذ نعومة أظفاره، فأخذه بالتعليم والتثقيف حيث أسمعه بإفادته سنة ٥٩١ هـ.
قال المنذري: "وفي هذه السنة ابتدأت بسماع حديث رسول الله ﷺ بإفادة والدي" (٤).
وحمله والده ليسمع بإفادته من أحد شيوخ الحنابلة بمصر إذ ذاك هو أبو عبد الله محمد بن حمد بن حامد بن مفرج الأنصاري الأرتاحي الأصل، المصري المولد والدار، المتوفى بمصر سنة ٦٠١ هـ.
وقد ذكر الحافظ المنذري ذلك في ترجمة الشيخ المذكور فقال: "وهو أول شيخ سمعت منه الحديث بإفادة والدي ﵁ وأجاز لي في شهر رمضان المعظم سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، وسمعت منه قبل ذلك" (٥).
وكان والده يشجعه على الاشتغال بحديث رسول الله ﷺ ويحضه عليه كثيرًا، ويبذل وسعه في تحصيل ما يسمعه من الكتب (٦).
_________
(١) المنذري وكتابه التكملة ص: ٢٢ - ٢٣.
(٢) التكملة لوفيات النقلة ٣/ ٥٧١.
(٣) انظر: المنذري وكتابه التكملة ص: ٢٥.
(٤) التكملة لوفيات النقلة ١/ ٢٣٨.
(٥) التكملة لوفيات النقلة ٢/ ٧٣.
(٦) المصدر السابق ١/ ٢٦٣.
1 / 15
على أن المنية لم تلبث أن اخترمتْ والده في الثامنة والثلاثين من عمره تقريبًا فترك ولده صبيًا لم يبلغ الحادية عشرة من عمره، وبذلك ذاق الحافظ المنذري مرارة اليتم وهمومه، وقد استمر الحافظ المنذري في العناية بهذا الشأن، فحضر مجالس العلماء، وأنصت إليهم وأخذ عنهم، ولازم الإمام الحافظ أبا الحسن علي بن المفضل المقدسي المتوفى سنة ٦١١ هـ، فقرأ عليه الكثير، وانتفع به انتفاعًا عظيمًا، وبه تخرج (١).
ثالثًا: أهم شيوخه:
تلقى المنذري ﵀ علمه الغزير، وثقافته الواسعة، على يد جمع غفير من العلماء والشيوخ، لازمهم وأخذ عنهم واستقى من نبعهم الفياض ومعينهم الصافي، وحفظ على أيديهم كثيرًا من المتون.
"وبالغ في الاعتناء بسماع الحديث، فسمع من جماعة كبيرة، ورحل من أجل ذلك إلى العديد من البلاد الإسلامية حيث مراكز الثقافة والعلم، وهو في كل ذلك يقيد ويستفيد ويناظر الشيوخ، وأجاز له طائفة كبيرة من مختلف البلدان الإسلامية" (٢).
ومن أهم شيوخه:
١ - أبو الثناء حامد بن أحمد بن حمد الأنصاري الأرتاحي ت سنة ٦١٢هـ (٣).
٢ - الحسن بن علي بن الحسين الأسدي المعروف بابن البن ت سنة ٦٢٥ هـ (٤).
٣٩ - أبو نزار ربيعة بن الحسن بن علي اليماني الذماري ت سنة ٦٠٩ هـ (٥).
_________
(١) انظر: السير ٢٣/ ٣٢٠، طبقات الشافعية الكبرى ٥/ ١٠٨.
(٢) انظر: مقدمة التكملة ١/ ٢٠.
(٣) له ترجمة في التكملة ٢/ ٣٢٦.
(٤) له ترجمة في التكملة ٣/ ٢٢٧، الشذرات ٥/ ١١٧.
(٥) له ترجمة في التكملة ٢/ ٢٥١، وتذكرة الحفاظ ٤/ ١٣٩٣.
1 / 16
٤ - أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن إسماعيل المعروف بالوراق ت سنة ٦١٦ هـ (١).
٥ - أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي ت سنة ٦٢٠ هـ (٢).
٦ - أبو محمد عبد الكريم بن عتيق بن عبد الملك الربعي ت سنة ٦١٦ هـ (٣).
٧ - أبو الحسن علي بن المبارك بن الحسن الواسطي ت سنة ٦٣٢ هـ (٤).
٨ - علي بن المفضل المقدسي ت سنة ٦١١ هـ (٥).
٩ - علي بن نصر بن المبارك الواسطي المعروف بابن البناء ت سنة ٦٢٢ هـ (٦).
١٠ - أبو حفص عمر بن محمد بن معمر بن أحمد المعروف بابن طبرزد ت سنة ٦٠٧ هـ (٧).
١١ - أبو عبد الله محمد بن حمد الأرتاحي ت سنة ٦٠١ هـ (٨).
رابعًا: أهم تلاميذه:
لا ريب أن للمنزلة العلمية الرفيعة التي تبوأها الحافظ المنذري في الحديث وعلومه، وسعة باعه في حفظه، وتوليه المناصب العلمية لا سيما مشيخة دار الحديث الكاملية، أثرًا بالغًا في توجه الطلاب إليه حيث تدفقوا عليه بكثرة كاثرة ينهلون من علمه الغزير، وثقافته الواسعة، ويقتدون بأخلاقه الكريمة، وصفاته الرفيعة.
_________
(١) له ترجمة في التكملة ٢/ ٤٦٧، طبقات الشافعية لابن السبكي ٥/ ٦٥.
(٢) له ترجمة في التكملة ٣/ ١٠٧، الشذارت ٥/ ٨٨.
(٣) له ترجمة التكملة ٢/ ٤٨٤.
(٤) له ترجمة في التكملة ٣/ ٣٩٤، الشذرات ٥/ ١٤٩.
(٥) ستأتي ترجمته ص: ٦٢٨.
(٦) له ترجمة في التكملة ٣/ ١٤٠، الشذرات ٥/ ١٠١.
(٧) له ترجمة في التكملة ٢/ ٢٠٧، الشذرات ٥/ ٢٦.
(٨) له ترجمة في التكملة ٢/ ٧٢.
1 / 17
ومن أهم تلاميذه:
١ - أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الكندي الدشنائي ت سنة ٦٧٧ هـ (١).
٢ - أحمد بن محمد بن عبد الله الحلبي المعروف بابن الظاهري ت سنة ٦٩٦ هـ (٢).
٣ - إسماعيل بن عيسى القفطي ت سنة ٦٧١ هـ (٣).
٤ - شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي ت سنة ٧٠٥ هـ (٤).
٥ - أبو الحسين علي بن محمد بن أحمد اليونيني ت سنة ٧٠١ هـ (٥).
٦ - محمد بن الحسن بن عبد الرحيم القنائي ت سنة ٦٩٢ هـ (٦).
٧ - أبو الفتح محمد بن علي بن دقيق العيد ت سنة ٧٠٢ هـ (٧).
خامسًا: مكانته وثناء العلماء عليه:
احتل المنذري في الحديث وعلومه وغيره من الفنون، مكانة كبيرة، وبلغ مرتبة عظيمة بين علماء عصره، ولقد أثنى عليه غير واحد من العلماء فاعترفوا له بالفضل والعلم والمعرفة، وسأذكر بعض أقوالهم بغية الاختصار.
قال تلميذه الشريف عز الدين الحسيني المتوفى سنة ٦٩٥ هـ:
"كان عديم النظير في معرفة علم الحديث على اختلاف فنونه، عالمًا بصحيحه وسقيمه ومعلوله، متبحرًا في معرفة أحكامه ومعانيه ومشكله، قيمًا بمعرفة غريبه وإعرابه واختلاف ألفاظه، ماهرًا في معرفة رواته وجرحهم وتعديلهم ووفياتهم ومواليدهم وأخبارهم، إمامًا حجةً ثبتًا ورعًا متحريًا فيما
_________
(١) له ترجمة في الوافي بالوفيات ٧/ ٥٥.
(٢) له ترجمة في تذكرة الحفاظ ٤/ ١٤٧٩.
(٣) له ترجمة في الطالع السعيد ص: ١٦٣.
(٤) ستأتي ترجمته رقم: ٢٦٧.
(٥) له ترجمة في الدرر الكامنة ٣/ ٩٨.
(٦) له ترجمة في الطالع السعيد ص: ٥٠٧.
(٧) ستأتي ترجمته رقم: ٤٧٤.
1 / 18
يقوله وينقله، متثبتًا فيما يرويه ويتحمله" (١).
وقد وصفه شمس الدين ابن خلكان بأنه "حافظ مصر" (٢).
ووصفه الحافظ الذهبي بـ "الإمام الحافظ المحقق شيخ الإسلام".
وقال: "كان متين الديانة، ذا نسك وورع وسمت وجلالة" (٣).
وقال أيضًا: "كان ثبتًا حجةً متبحرًا في علوم الحديث، عارفًا بالفقه والنحو مع الزهد والورع والصفات الحميدة" (٤).
وقال تاج الدين السبكي في حقه: "الحافظ الكبير الورع الزاهد زكي الدين أبو محمد المصري، ولي الله والمحدث عن رسول الله ﷺ، والفقيه على مذهب ابن عم رسول الله ﷺ كان ﵀ قد أوتي بالمكيال الأوفى من الورع والتقوى، والنصيب الوافر من الفقه، وأما الحديث فلا مراء في أنه كان أحفظ أهل زمانه وفارس أقرانه له القدم الراسخ في معرفة صحيح الحديث من سقيمه، وحفظ أسماء الرجال حفظ مفرط الذكاء عظيمه، والخبرة بأحكامه، والدراية بغريبه وإعرابه واختلاف كلامه" (٥).
وقال ابن ناصر الدين: "كان حافظًا كبيرًا حجة ثقة عمدة" (٦).
ويكفي الإشارة هنا إلى أن الشيخ عز الدين ابن عبد السلام الفقيه الشافعي الملقب بسلطان العلماء حينما قدم البلاد المصرية ونزل القاهرة، كان يحضر مجالس الحافظ المنذري.
قال تاج الدين السبكي: "وسمعت أبي ﵁ يحكى أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام كان يُسمع الحديث قليلًا بدمشق، فلما دخل القاهرة ترك ذلك، وصار يحضر مجلس الشيخ زكي الدين، ويَسمع عليه في
_________
(١) شذرات الذهب ٥/ ٢٧٧ وانظر: تذكرة الحفاظ ٤/ ١٤٣٧.
(٢) وفيات الأعيان ٣/ ٣١٠.
(٣) السير ٢٣/ ٣١٩ - ٣٢٢.
(٤) العبر ٣/ ٢٨١ - ٢٨٢.
(٥) الطبقات الكبرى ٥/ ١٠٨.
(٦) شذرات الذهب ٥/ ٢٧٧.
1 / 19
جملة من يسمع" (١).
وبعد، فهذه شخصية الإمام الحافظ المنذري من خلال شهادات علماء كبار وأئمة حفاظ.
ومما يدل على نبوغ المنذري وإمامته وبلوغه المرتبة العظيمة بين علماء عصره، توليه مشيخة دار الحديث الكاملية حيث ولاه السلطان الملك الكامل الأيوبي وتحول المنذري فسكن دار الحديث الكاملية بقية عمره، فما كان يخرج منها إلا لصلاة الجمعة، حتى إنه لما مات أكبر ولده الحافظ رشيد الدين محمد، صلى عليه فيها، وشيعه إلى بابها، وقال:"أودعتك يا ولدي الله" وفارقه (٢).
وفي هذه الدار قضى المنذري نحوًا من عشرين عامًا مكبًا على العلم والإفادة (٣).
سادسًا: أهم مؤلفاته:
كان المنذري محدثًا فقيهًا، لذلك جاءت مؤلفاته معظمها في هذين العلمين وخاصة الحديث، وإذا كان المنذري قد ألف في التاريخ فإن كتبه اقتصرتْ على "علم الرجال" الذي هو ذيل من ذيول علم الحديث" (٤).
وقد استوعب الدكتور بشار عواد في كتابه "المنذري وكتابه التكملة" عددًا كبيرًا من مؤلفات وتخاريج المنذري، وفَصَّل القول في كل مؤلف، موضحًا ما إذا كان مطبوعًا أو مخطوطًا أو مفقودًا، مع تعريف موجز لها (٥).
وسأقتصر هنا على ذكر بعض مؤلفاته الهامة دون الاستيعاب:
١ - الترغيب والترهيب. وسنتكلم عليه تفصيلًا في مبحث مستقل.
_________
(١) الطبقات الكبرى ٥/ ١٠٩.
(٢) الطبقات الكبرى ٥/ ١٠٩.
(٣) شذرات الذهب ٥/ ٢٧٧.
وانظر ما كتبه الدكتور بشار عواد عن تولي المنذري لهذا المنصب الرفيع في كتابه المنذري وكتابه التكملة ص: ١٢٦ - ١٣٥.
(٤) المنذري وكتابه التكملة ص: ١٧٥.
(٥) المصدر السابق ص: ١٧٥ - ١٩٦.
1 / 20
٢ - كفاية المتعبد وتحفة المتزهد (١).
٣ - مختصر سنن أبي داود (٢).
٤ - مختصر صحيح مسلم (٣).
٥ - الموافقات.
ذكره الذهبي وقال: إنه في مجلدة (٤).
٦ - شرح التنبيه لأبي إسحاق الشيرازي.
قال الذهبي: "وصنف شرحًا كبيرًا للتنبيه" (٥).
وقال اليونيني: "وعلق على التنبيه في مذهب الشافعي كتابًا نفيسًا يدخل في أحد عشر مجلدًا" (٦).
كما ذكره حاجي خليفة عند كلامه على شراح التنبيه (٧).
٧ - الخلافيات ومذهب السلف (٨).
٨ - التكملة لوفيات النقلة (٩).
٩ - المعجم المترجم.
ذكره تلميذه الحسيني عند الكلام على شيوخ المنذري فقال: "وهم مذكورون في معجمه الذي خرجه لنفسه في ثمانية عشر جزءًا حديثية" (١٠).
_________
(١) وقد طبع الكتاب ضمن الرسائل المنيرية ٣/ ٦٦ - ٨٢.
(٢) وقد طبع الكتاب بتحقيق أحمد شاكر ومحمد حامد الفقي في بيروت ١٤٠٠ هـ، ونشرته دار المعرفة.
(٣) طبع الكتاب بتحقيق محمد ناصر الدين الألباني، وقام على طبعه مكتبة المعارف بالرياض.
(٤) السير ٢٣/ ٣٢١.
(٥) المصدر السابق.
(٦) ذيل مرآة الزمان ١/ ٢٤٩.
(٧) كشف الظنون ١/ ٤٨٩ - ٤٩٣.
(٨) ذكره المنذري في مقدمة الترغيب والترهيب ١/ ٣٥.
(٩) وقد طبع الكتاب في أربع مجلدات بتحقيق الدكتور: بشار عواد معروف، ونشرته مؤسسة الرسالة سنة ١٤٠١ هـ.
(١٠) انظر: المنذري وكتابه التكملة ص: ١٩٢.
1 / 21