إلى رسمل ونصيبين والموصل العتيق ثم أمر عساكره في جمادى الآخرة أن يمروا قاصدين، ويقصدوا ماردين، فسابقوا الطير ولاحقوا السير، وجازوا بالنهار الأنهار وبالليل السيل، فقطعوا فقار القفار، قطع الهندي وعملوا في تلك الجبال والقلال بما قاله الكندي وهو
سموت إليها بعد ما نام أهلها ... سمو حباب الماء حالًا على حال
فوصلوا إليها على غفلة، واحتووا عليها من غير مهلة، وذلك يوم الثلاثاء ثاني عشره، وقد سل الصبح حسام فجره، وطار غراب الدجى عن وكره، فصاروا سوار معصم تلك الأسوار، وأحلوا الدمار هاتيك الديار، فعموها رجفًا، وساموها خسفًا، وهدوها زحفًا، ودكوها وجفًا، وتعلقوا بأهداب أرجائها وتسلقوا بالسلالم من أرضها إلى سمائها، وكان متسلقهم على الأسوار، من القبلة رابية اليهود، ومن الغرب التلول، ومن الشرق المنشار، فأخذوا المدينة عنوة وقسرًا، وملؤها فسقًا وكفرا، وترفع أهل المدينة إلى القلعة، ولم يكره أحد سواهم علو المنزلة والرفعة، واكوهدوا ملتجئين إلى قوادمها وخوافيها، وذب عنهم من القلعة بالسهام والمكاحل من كان فيها،