فكيف حال أخي وجد وأشواقي؟
كل هذا التعمل عندها وعند من قلدتهم، بل عند الكثيرين من كتاب الغرب، كان مقدمة طويلة لعهد «الرومنتزم»؛ أي عهد دخول الشعراء والأدباء إلى نفوسهم يلمسون جراحهم بأيديهم ويستوحونها، ويتعرفون حالاتهم النفسية فيتمكنون من النظر إلى الطبيعة تلك النظرة النافذة الرائعة فيكتنهون فيها مغزى المعاني ويرون فيها فاتن الصور والألوان في الحزن وفي الابتهاج جميعا. وما ذكر الإحساس بالطبيعة ونزعة الرومنتزم؛ أي النزعة الوجدانية الصميمة في الأدب، إلا ذكر جان جاك روسو موجد تلك النزعة في آداب الغربية. فسرت من بعد إلينا، وتعلم الجيل الجديد من شعرائنا تعرف ما في نفوسهم وما في الطبيعة من تغير وتنوع في الظواهر وفي الخوافي. بيد أن الرومنتزم، ككل شيء آخر في هذا الكون، أفسح المجال لمذاهب أدبية أخرى تطورت منه ومن فروعه فأصبح اليوم في حكم «القديم» في أوروبا، بينا هو وغيره من شتى المذاهب الأدبية ما زال شائعا عند الجيل الحاضر من شعرائنا وأدبائنا. •••
ولكن عودة إلى التيمورية! إننا رأيناها متكلمة بلهجة الرجل، وذلك راجع طبعا إلى أمرين اثنين ذكرتهما قبلا، وهما:
أولا:
عادة الضغط على عواطف المرأة وإخراس صوتها. فكان أيسر لها أن تتخذ لجهة الرجل المصرح له بما حظر عليها.
ثانيا:
لأنها كانت مقلدة؛ فقد قلدت الرجل في معانيه كما قلدته بداهة في لهجته. الرجال أساتذتنا ومهذبونا ومكيفونا، عليهم نتلقى دروسنا، وعن كتبهم وكتاباتهم نقتبس المعرفة، وبذكائهم نستعين لصقل ذكائنا وإنمائه، ومنهم نستلهم كل فكر عظيم وكل عاطفة جليلة. لقد احتكر الرجال جميع أنواع القدرة والإبداع والتفوق، فما نكاد نفتح عيوننا وأذهاننا حتى نرى جميع مناحي السلطان والسيطرة والنفوذ ممثلة فيهم. بيد أن الطبيعة النسائية تظهر عند عائشة بعض الظهور في الخجل الذي يشعر المرأة أحيانا بأنها صغيرة ضئيلة أمام من تحب، كما يشعرها بأن هذا الرجل الذي اختارته هو الذي يملأ الدنيا حياة ويفيض عليها الرونق والنور:
أنا المسربل بالأعذار من كلفي
إذا التقينا، وأنت الرائق الوسم
وتظهر طبيعة المرأة ظهورا أتم في هذا الخجل الصريح:
Bilinmeyen sayfa