فقد أسفرت الإغارة الفرنساوية عن ثلاث نتائج:
الأولى قومية:
إذ شعر المصريون بأهمية بلادهم وبمقدرة الشعب على إزعاج الحكومة المستبدة إذا هو اتحد وتضامن. كما لمحوا وميضا من المدنية الأوروبية الحديثة ورغبوا في اقتباسها.
الثانية علمية:
إذ استصحب نابليون جماعة من العلماء الأخصائيين. فدرسوا طبيعة البلاد ومواردها، وأدخلوا الطباعة ونشروا الصحف وأسسوا «المجمع العلمي المصري»، وجاءوا في مختلف الموضوعات بأبحاث قيمة، منها وصل البحر الأبيض بالبحر الأحمر الذي سيستفيد منه دلسبس، وأحدثوا إصلاحات كثيرة ذهب جلها إنما بقي منها جرثومة ستنمو بعد الآن على يد حكومة البلاد.
الثالثة سياسية:
أن بين ضباط القوة العثمانية كان ذلك الرجل الذي ولد هو ونابليون وولنجتون في سنة واحدة «1847م» وحكم مصر بعد محوه المماليك ... وبين رجال محمد علي رجلان يختلفان أصلا وعملا أحدهما كردي وهو محمد تيمور بن إسماعيل بن علي كرد، الذي كان ضابطا وساعد في استئصال دولة المماليك حتى صار من خاصة الوالي. فترقى في المناصب من كاشف، إلى محافظ، وتوفي سنة «1264ه/1847»، والآخر تركي الأصل وهو عبد الرحمن أفندي الإستانبولي الذي كان كاتبا في الديوان الهمايوني عند السلطان سليم الثالث ثم صار ذا مكانة عند محمد علي حتى أنه بعد وفاته دفنه في القلعة. وكان لسلالة هذين الرجلين أن تحمل علامة اليمن. فقد تزوج محمد تيمور بابنة عبد الرحمن أفندي فكانا جدي الشاعرة. •••
ولدت عائشة سنة 1256 هجرية قبل وفاة محمد علي بتسعة أعوام، وتوفيت بعد تولية عباس الثاني بعشرة أعوام؛ أي إنها شهدت تطور بلادها على عهد أربعة ولاة هم: محمد علي وإبراهيم وعباس الأول وسعيد، وثلاثة خديوين هم: إسماعيل وتوفيق وعباس الثاني.
كان لمحمد علي مطامع سياسية معينة فبذل المجهودات لتأييدها في الداخل بإنشاء المدارس الحربية والمستشفيات العسكرية، وتنظيم الجيش وتخريج الأطباء، ونشر المعارف وإرسال البعوث إلى أوروبا لتتلقى العلوم الفنية والميكانيكية والحربية. أما في الخارج فكان يؤيد مطامعه بالحروب والفتوح.
وتتابع التطور ضئيلا خلال ولاية إبراهيم التي لم تدم سوى شهرين اثنين، وولايتي عباس الأول وسعيد حيث كان غرض التعليم محصورا في تخريج موظفين للحكومة وضباط للجيش. وإن امتاز عهد سعيد بأمور ذات شأن، منها وفاء ديون الحكومة، وحذف الجمارك الداخلية والاحتكارات، وإرجاع الحرية الفردية وحق الملكية إلى الفلاحين - بعد أن كان محمد علي قد جمع الأملاك بين يديه جاعلا الحكومة تسيطر على كل تجارة مع الخارج. وتم في عهد سعيد إنشاء القناطر الخيرية التي بدئ بها بأمر من محمد علي. وسعيد هو الذي فوض إلى صديق طفولته دلسبس أن يباشر حفر قناة السويس.
Bilinmeyen sayfa