وذهبت نفرتيتي. ورجعت شديدة الانفعال، فطوقتني بذراعها وأجهشت في البكاء، أما آي فقال: اختارتها الملكة زوجة لولي العهد!
عصف الخبر بأفئدتنا عصفا، سمت به حبيبتي نفرتيتي فوق الغيرة والمنافسة. ها هي تفتح لنا باب الحظ السعيد لننفذ منه إلى الأسرة المالكة. لقد أظلنا حظها بجناحيه العريضين، وحلق بنا فوق الجميع؛ من أجل ذلك هنأتها من أعماق قلبي، وكذلك فعلت موت نجمت. وراحت تحدثنا عما دار بينها وبين الملكة العظمى، ومن شدة تأثري لم أتابعها بالدقة المتوقعة، وليس في ذاكرتي اليوم أثارة منه، وما أهمية الحديث إذا قيس بالنتيجة التي انتهى إليها؟ وتم الزواج في حفل رائع أعاد إلى ذاكرة المخضرمين ذكرى زفاف الملك أمنحتب الثالث. وصرنا جميعا ضمن الأسرة المالكة، واختارتني حبيبتي لوظيفة المربية الخاصة لها، وهو مركز في القصر يلي مركز الأميرات مباشرة! وبالزواج صارت نفرتيتي والأمير وحدة لا تتجزأ، ولا يفرق بين نصفيها إلا الموت. وقد شاركته الأفراح والأحزان إلى ما قبل النهاية بساعات، ودبرت له شئون ملكه بمهارة امرأة خلقت للعرش، وشاركته حمل رسالته الدينية كأنها كاهنة مختارة حقا بعناية الإله الواحد. صدقني لقد كانت ملكة عظيمة بكل معنى الكلمة؛ لذلك صعقت عندما علمت بهجرها المفاجئ لزوجها في ذروة محنته، ولعله أول قرار اتخذته دون علمي، فهرعت إليها في قصرها، وجلست عند قدميها مستسلمة لنوبة من البكاء. ولم يبد عليها أنها تأثرت لحالي، وقالت لي بهدوء: اذهبي بسلام ...
فقلت برجاء: إنهم يذهبون وقاية للملك من أي شر.
فكررت ببرود: اذهبي بسلام.
فتساءلت في حيرة: وأنت يا مولاتي؟
فقالت ببساطة: لن أغادر هذا القصر.
فهممت بالكلام، ولكنها قاطعتني بنبرة آمرة: اذهبي بسلام.
وغادرتها كأتعس امرأة على وجه الأرض. وفكرت طويلا فيما دفعها إلى الاختفاء، فلم أهتد إلا إلى فرض واحد، هو أنها كرهت أن تشهد هزيمة الملك وإلهه، فلاذت بالهرب خلال لحظة يأس طارئة، على أن ترجع إليه بعد ذهاب الجميع. ولا أشك في أنها سعت إلى ذلك، ولكنها منعت بالقوة. ولا تصدق أي تفسير آخر لهجرها القصر. سوف تسمع أقوالا متضاربة، وسيدلي كل رجل بما يؤكد أنه الحق، بينما ينطق عن هواه. لقد علمتني حياتي بألا أثق في أحد ولا أصدق أحدا. وها هو الزمن يمضي وأنا أتساءل دائما: أكان مولاي إخناتون يستحق تلك النهاية المحزنة؟ كان النبل والصدق والحب والرحمة، فلم لم يبادله الناس نبلا بنبل، وصدقا بصدق، وحبا بحب، ورحمة برحمة؟ لماذا انقضوا عليه كالوحوش يمزقونه ويمزقون ملكه كأنه عدو أثيم؟! ولقد رأيته في المنام منذ أعوام مطروحا على الأرض والدم ينزف من جرح غائر في عنقه، فاستحوذ علي شعور قوي بأنهم قتلوه قتلا مدعين كذبا أنه مات ميتة طبيعية.
وسكتت وهي تنظر فيما أمامها بأسى، ثم تمتمت: لقد عاشرنا رجلا لا يتكرر.
موت نجمت
Bilinmeyen sayfa