فتفكر مليا ثم تساءل: لا أدري كيف يعين إله على ذبح مخلوقاته.
فقلت بقلق: له حكمته المضنون بها على البشر. - الشمس لا يفرق نورها بين مخلوق وآخر.
فقلت بإصرار: الحياة ميدان صراع، لا تنس ذلك.
فقال بأسى: يا معلمي لا تحدثني عن الصراع، ألم تشهد الشمس عند شروقها فوق الحقول والنيل؟! ألم تر الشفق عند المغيب؟ ألم تسمع تغريد البلابل، وهديل الحمام؟ ... ألم تقتنص أبدا الفرحة المقدسة الغائبة في أعماق حياتنا؟!
شعرت بأن الزمام يفلت من يدي، وأن الشجرة تنمو على هواها، وأنني أجر إلى مأزق، فأفضيت بمخاوفي إلى الملكة تيى، ولكنها لم تشاركني قلقي، وقالت لي: يا آي، ما زال طفلا بريئا، سوف يخبر الدنيا، وعما قليل سيتلقى تدريبه العسكري.
ودعي الكاهن الصغير إلى الجندية الخاصة ضمن أبناء السادة النبلاء مثل حور محب، ولكنه لم يتناغم معها، أو لم يجد القوة اللازمة لها، فكرهها، وسجل على نفسه فشلا لا يليق بأبناء الملوك. وقال بمرارة: لا أود أن أتعلم مبادئ القتل.
وحزن لذلك أبوه حزنا شديدا، وقال لي: إن الملك الذي لا يحسن القتال يقع تحت رحمة قواده.
وحدثني الفتى عن مشاحنات نشبت بينه وبين أبيه، ولعله منذ ذلك الوقت ترسبت في أعماقه مشاعر غير طيبة عن أبيه العظيم، وهي التي غالى الكهنة فيما بعد في تفسيرها متهمين إياه بقتل أبيه بعد موته بمحو اسمه من الآثار، والحق أنه لم يمح اسم أبيه إلا لاقترانه بآمون، وآي ذلك أنه أعدم اسمه القديم واتخذ اسما جديدا هو «إخناتون»، ثم بلغ ذروة غربته مقتلعا نفسه من كافة جذوره في ليلة غريبة لم يطلع عليها سواه. تم ذلك في الخلوة التي كان ينتظر فيها الشروق بحديقة القصر المطلة على النيل. وعلمت بما كان عندما لقيته في الحديقة في الصباح. أغلب الظن أننا كنا في الربيع في يوم بريء من الرطوبة والخماسين.
رنا إلي بوجه شاحب وعينين مسحورتين، وقال لي دون أن يرد تحيتي: يا معلمي، قد تجلى الحق!
عجبت لمنظره وسألته عما يعني، فقال: كنت في الخلوة قبيل الشروق، رفيق الليل يودعني والصمت يباركني، وخف وزني؛ فخيل إلي أنني سأمضي مع ذيول الليل، وتجسدت الظلمة كائنا حيا يومئ بالتحية، وأشرق في داخلي نور طيب الرائحة، فرأيت الكائنات كلها مجتمعة في مجال تحيط به العين، تتهامس متبادلة التهاني تهزها سعادة الترحيب، وتستقبل الحقيقة المقبلة، وقلت لنفسي: أخيرا انتصرت على الموت والألم، وانهلت فوقي فيوضات السرور، وتسلل الوجود إلى صدري فملأه برحيقه العذب. وسمعت بكل وضوح صوته وهو يقول لي: «أنا الإله الواحد، لا إله غيري، أنا الحق، اقذف بروحك في رحابي، اعبدني وحدي، وهبني ذاتك فقد وهبتك حبي.»
Bilinmeyen sayfa