فعجبت أسماء لوصفه الرجل بأنه من أخوال أخته وحدها ، فسألته عن ذلك فقال: «إن عائشة من أم غير أمي ولم تسنح لك الفرصة أن تريها بالأمس، فعسى أن تريها في فرصة أخرى.»
قال ذلك وأمر العجوز فأخذت في إعداد ما يلزم للسفر وجعلت تجمع صررها؛ صرة فيها المشط، وصرة فيها السواك، وصرة للنعال ... ونحو ذلك. ولم يمض ساعتان حتى تهيأ كل شيء. وجاء عبيد بن أبي سلمة فأوصاه بالعجوز والفتاة خيرا وودعهما.
فقالت له أسماء وهي تشد منطقتها حول خصرها وتتهيأ للدخول في الهودج: «متى أراك؟» قال: «أرجو أن أراك قريبا في مكة أو أبعث في استقدامك متى استقام الأمر وهدأت الأحوال.» فودعته وسارت وقد تلثمت بلثام السفر.
الفصل التاسع
المطالبة بدم عثمان
لم تكد أسماء تخرج من المدينة حتى أشرفت على قباء فهاجت أشجانها وتذكرت أمها، فترجلت عند المسجد فلقيها خادمه الشيخ فدعا امرأته فرحبت بأسماء ومن معها، فطلبت أسماء أن تزور قبر أمها، فزارته وبكت بكاء مرا حتى كاد يغشى عليها لو لم ينهضها الرفاق. ولما رآها ابن أبي سلمة على تلك الحال أسرع في الترحال فشدوا الأحمال وركبوا قاصدين إلى مكة، وكان قد تأثر لما رآه من حزن أسماء فأراد أن يواسيها، فلما شارف جبل أحد وهو على أربعة أميال من المدينة غربا أحب أن يشغلها بالحديث فقال لها: «انظري إلى هذا الجبل فإنه أحد الذي وقعت عنده الوقعة بين المسلمين ومشركي قريش على عهد النبي
صلى الله عليه وسلم .» وقص عليها حديث الغزوة.
وقضوا في سفرهم ثلاثة أيام حتى شارفوا جبال مكة عند قرية يقال لها «سرف» على ستة أميال من مكة، فرأوا ركبا قد وصل وفيه ناقة عرف عبيد أنها ناقة عائشة لما رأى هودجها وعليه رداء أحمر يجلله كله، فترجل وترجلت أسماء والعجوز واشتغل العبيد في عقل النوق.
وسرت أسماء برجوع عائشة على عجل لعلها ترجع معها إلى المدينة فتلقى محمدا، فقالت للعجوز: «وأين أم المؤمنين؟ ولم أسرعت في الرجوع من مناسكها؟» فالتفتت العجوز يمنة ويسرة حتى استقر بصرها على فسطاط كبير مبطن بالحرير الأحمر عند بابه بدويان واقفان، فقالت: «هذا هو فسطاطها، وقد وقف الخدم عند بابه.»
فقالت: «وهل نذهب إليها الآن؟»
Bilinmeyen sayfa