وتقلقل المهاجرون من بايع منهم أبا بكر ومن لم يبايعوه، ومنهم عترة النبي وأقربهم إليه وأعظمهم إيمانا بدينه والغيرة عليه.
وتقلقل في مكة أناس قريبو عهد بالنفاق، فهموا بالعصيان لولا نذير من ولى السلطان.
أما القبائل فيما وراء ذلك فكان لكل منها نصيب من التقلقل يناسب نصيبها من القرب والبعد والمودة والجفاء.
فأقربهم إلى مهد الإسلام كانوا يخلصون للنبي ويخرجون على من ولي الحكم بعده.
أطعنا رسول الله مذ كان بيننا
فيا لعباد الله ما لأبي بكر؟
وأناس منهم آمنوا بالزكاة ولم يؤمنوا بمن يؤدونها إليه، واحتجوا بآيات من القرآن الكريم حرفوها إلى المعنى الذي أرادوه، ومنها:
خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم [التوبة: 103] ... قالو: فلسنا ندفع زكاتنا إلا إلى من صلاته سكن لنا! وأبوا أن يدفعوها وإن علموا أن دفعها فريضة من فرائض الدين، فهم لم ينكروا الفريضة ولكنهم أنكروا الجباة.
أما الأبعدون من مهد الإسلام فكان لهم تقلقلهم الذي يعرض لكل بعيد لم يسكن قط إلى قرار، وإنما هو في اضطراب مستور يتربص أن يثب إلى الجهر ما تهيأ له وثوب.
فأبناء اليمن كان لهم ملك قديم، وكانت لهم أسر معرقات في الحكم تتداوله تارة بسلطان الحبشة، وتارة بسلطان فارس، وحينا بين هذا وذاك بسلطان أهل البلاد، وكانت لهم كهانة تمتزج بكل عقيدة من العقائد الكتابية وغير الكتابية، فلما اضطرب بينهم ميزان الأمور برز كل عامل من هذه العوامل في الفتنة بأثر من آثاره، ونجح بينهم الأسود العنسي صاحب النبوة فيهم - وهو مسخ مشوه - لأن التشويه كان من آلات الكهنة والسحر عندهم ولم يكن من عوائق النجاح في أمثال هذه الدعوات. فكان وفاقا لشروط الكهانة اليمنية على شبه من كاهنهم «سطيح» الذي قيل فيه: إنه كان لحما بغير عظم، أو كان من لين العظام بحث يدرج جسمه كما يدرج الثوب خلا جمجمة رأسه، وهي مع هذا تمس باليد فيؤثر فيها المس الخفيف لفرط لينها، وعلى شبه من كاهنهم «شق» الذي سمي بهذا الاسم لأنه أشبه بنصف إنسان مشقوق لنحافته وانسلاخ أعضائه فكانت حقارة الأسود العنسي آلة من آلات نجاحه تبطل العجب ولا تدعو إليه، كلما استعظم أحد أن يظفر مثله بما ظفر به من الفوز العاجل في بداية الفتنة اليمنية.
Bilinmeyen sayfa