وهو هو الصديق.
برهانه في تصديق الغيب كبرهانه في تصديق الشهادة؛ لأن المرجع فيه إلى شخص القائل لا إلى الشيء الذي يقال.
فلما ارتد بعض المسلمين من حديث الإسراء بالنبي إلى بيت المقدس قال أبو بكر قولته تلك: إني آمنت به في أمر السماء فلم لا أومن به فيما دون ذلك؟
ولما تشاور المسلمون في صلح الحديبية رضي من رضي وأبى من أبى، وظهر هنا منطقان متقابلان: منطق عمر بن الخطاب يقول: إننا على الحق فلم نعطي الدنية؟ ومنطق أبي بكر يقول: إني أشهد أنه رسول الله فلم لا أتبعه فيما ارتضاه؟
ولما اختلف المختلفون في بعثة أسامة كان أمام أبي بكر خطط متعددات يختار منها ما يشاء: منها أن يحتفظ بالجيش لحراسة المدينة، وأن يحتفظ به لحرب أهل الردة، وأن يبعث به إلى العراق ترصدا للفرس المنذرين بالإغارة، وأن يبعث به حيث أراد رسول الله، وإن قال بعض القائلين: إن الحال قد تبدل، وإن المقام يؤذن بالمراجعة فيما أراد - فشاء أبو بكر الخطة التي شاءها محمد عليه السلام، وأبى أن يأذن فيها بمراجعة أو تبديل.
ولما جاءوا بالأعطية يقسمونها كانت التفرقة بين الأقدار أدنى إلى التصرف، وكانت التسوية بين الأقدار أدنى إلى الاتباع. وكان عمر يقول: أنعطي من حارب الرسول كما نعطي من حارب مع الرسول؟ وكان أبو بكر يقول: أنأجرهم على إيمانهم فنعطيهم بمقدار ذلك الإيمان؟ فكان عمر عنوان التصرف وكان أبو بكر عنوان الاقتداء.
ومن أصالة الإعجاب بالبطولة فيه أنه كان مثلا في أدب الملازمة وقدوة في أصول المصاحبة، وكان بفطرته خبيرا بالمراسم التي نسميها اليوم «بالبروتوكول»؛ لأن أدبه في توقير العظمة أدب الطبع الذي يهتدي من نفسه بدليل.
انظر إليه وهو يستأذن أسامة في استبقاء عمر بن الخطاب!
انظر إليه وهو يأبى إلا أن يركب أسامة وهو يشيعه سائرا على قدميه!
انظر إليه وهو ينادي بنته عائشة: يا أم المؤمنين!
Bilinmeyen sayfa