وجاء له رجل من أحبار اليهود اسمه فنحاص في الآية:
من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة [البقرة: 245]، فقال فنحاص مستهزئا بالله والنبي: «لو كان عنا غنيا ما استقرضنا أموالنا كما يزعم صاحبكم. ينهاكم عن الربا ويعطيناه!»
هذا هو الاستهزاء.
وهذا هو المساس بالإيمان.
وكلاهما لا يطيقه الرجل المؤمن الوقور وتغلبه فيه الحدة إن هو غلبها في غير ذلك من الأمور.
ولقد عاش أبو بكر ما عاش أليفا مؤلفا لقومه، محبا محبوبا فيمن حوله، رحيما بالغرباء فضلا عن الأبناء، إلا أن هذا الرجل الرحيم الأليف نهض إلى مبارزة ابنه ودعا عليه بالهلاك حين شهد الحرب مع المشركين، ورأى البر به - غاية البر - أن ينهض هو لمبارزته ولا يدعه لأحد غيره من المسلمين.
كان ذلك يوم بدر، وكان ابنه عبد الرحمن من أشجع الشجعان بين العرب، ومن أنفذ الرماة سهما في قريش. فتقدم الصفوف يدعو إلى البراز، وقام أبوه يجيب دعوته، لولا أن استبقاه النبي عليه السلام، وهو يقول له: متعني بنفسك.
ولما أسلم عبد الرحمن قال لأبيه: لقد أهدفت لي يوم بدر فضفت عنك - أي عدلت عنك - ولم أقتلك، فقال أبوه: لكنك لو أهدفت لي لم أضف عنك.
وهكذا نعلم أين تبدر الحدة وأين تبدر الصرامة من خليقة أبي بكر المسالم الوديع، فحيثما روى راو أنه احتد أو اشتد؛ فلنعلم عن يقين أن في الأمر شيئا يمس التصديق والإيمان، أو يمس المروءة والوقار، فلا تأتي الحدة أو الشدة يومئذ في غير موضعها من الطبيعة التي ولد بها ومرن عليها.
رجل له خصائص المزاج العصبي في البنية الدقيقة.
Bilinmeyen sayfa