İmam Ali'nin Dehası
عبقرية الإمام علي
Türler
لأن هذه السيرة تخاطب الإنسان حيثما اتجه إليه الخطاب البليغ من سير الأبطال والعظماء، وتثير فيه أقوى ما يثيره التاريخ البشري من ضروب العطف ومواقع العبرة والتأمل.
في سيرة ابن أبي طالب ملتقى بالعاطفة المشبوبة، والإحساس المتطلع إلى الرحمة والإكبار ... لأنه الشهيد أبو الشهداء، يجري تاريخه وتاريخ أبنائه في سلسلة طويلة من مصارع الجهاد والهزيمة، ويتراءون للمتتبع من بعيد واحدا بعد واحد شيوخا جللهم وقار الشيب، ثم جللهم السيف الذي لا يرحم، أو فتيانا عوجلوا وهم في نضرة العمر يحال بينهم وبين متاع الحياة، بل يحال بينهم أحيانا وبين الزاد والماء، وهم على حياض المنية جياع ظماء ... وأوشك الألم لمصرعهم أن يصبغ ظواهر الكون بصبغتهم وصبغة دمائهم، حتى قال شاعر فيلسوف كأبي العلاء لا يظن به التشيع، بل ظنت بإسلامه الظنون:
وعلى الأفق من دماء الشهيد
ين علي ونجله شاهدان
فهما في أواخر الليل فجرا
ن، وفي أولياته شفقان
وهذه غاية من امتزاج العاطفة بتلك السيرة قلما تبلغها في سير الشهداء غاية، وكثيرا ما تتعطش إليها سرائر الأمم في قصص الفداء التي عمرت بها تواريخ الأديان ...
وفي سيرة ابن أبي طالب ملتقى بالخيال، حيث تحلق الشاعرية الإنسانية في الأجواء أو تغوص في الأغوار، فهو الشجاع الذي نزعت به الشاعرية الإنسانية منزع الحقيقة ومنزع التخيل، واشترك في تعظيمه شهود العيان وعشاق الأعاجيب ... ألم يحارب المردة في فلواتها؟ ... ألم يخلق له الرواة أندادا من المناجزين والمبارزين لم يخلقهم الله؟ ... ألم يستصغر عليه المحبون الغالبون في الحب أن يصرع من عرفنا من خصومه، فأنشئوا له من الخصوم المغلوبين من لم يعرفهم ولم يعرفوه؟ ... ألم يوشك من وصفوه ووصفوا وقعاته وفتكاته أن يلحقوه بأبطال الأساطير، وهو هو أصدق الأبطال في أصدق مجال.
وتلتقي سيرته - عليه رضوان الله - بالفكر كما تلتقي بالخيال والعاطفة؛ لأنه صاحب آراء في التصوف والشريعة والأخلاق سبقت جميع الآراء في الثقافة الإسلامية؛ ولأنه أحجى الخلفاء الراشدين أن يعد من أصحاب المذاهب الحكيمة بين حكماء العصور؛ ولأنه أوتي من الذكاء ما هو أشبه بذكاء الباحثين المنقبين منه بذكاء الساسة المتغلبين، فهو الذكاء الذي تحسه في الفكرة والخاطرة قبل أن تحسه في نتيجة العمل ومجرى الأمور ...
وللذوق الأدبي - أو الذوق الفني - ملتقى بسيرته كملتقى الفكر والخيال والعاطفة؛ لأنه - رضوان الله عليه - كان أديبا بليغا له نهج من الأدب والبلاغة يقتدي به المقتدون، وقسط من الذوق مطبوع يحمده المتذوقون، وإن تطاولت بينه وبينهم السنون، فهو الحكيم الأديب، والخطيب المبين، والمنشئ الذي يتصل إنشاؤه بالعربية ما اتصلت آيات الناثرين والناظمين ...
Bilinmeyen sayfa