İslah ve Eğitim Dehası: İmam Muhammed Abduh
عبقري الإصلاح والتعليم: الإمام محمد عبده
Türler
ولو أن المحامي كاتب هذه النبوءة أتيح له أن يمد بصره وراء السنوات الثلاث، لعلم أن البلاد لم تستغن حقا عن الشيخ محمد عبده، وعلم قبل ذلك أن أمانة الصدق التي عهدها في «موكله» هي التي حملته على أن ينفي ما نفى ويثبت ما أثبت، ولم يحمله على ذلك خوف للعقاب؛ فإنه لم ينقطع عن حملته على الاحتلال وعلى الخديو صنيعته في قلب العاصمة البريطانية، وهو يعلم أنه - بذلك - يطيل منفاه أبدا، وقد طال منفاه فعلا، فعاد إلى مصر بعد انقضاء موعد النفي بخمس سنوات.
ولسنا في هذا الفصل بصدد البحث عن ظروف الثورة العرابية وتبعات زعمائها ودعاتها وجرائم خصومها وأشياعها المندسين عليها، ولكننا نستغني عن ذلك في هذا المقام بوزن هذه الثورة بميزان الثورات عامة، ونعود إلى طبائع الثورات جميعا في الشرق والغرب، فنرى أن الثورة العرابية لم تكن بدعا بينهما؛ لأنه ما من ثورة حدثت قط إلا اشترك فيها الأنصار والخصوم على اختلاف الأفكار، واختلاف الأمزجة، واختلاف النيات، واختلاف المظاهر والألوان، ولا يختلط هؤلاء في هذا الطوفان المريج إلا اختلطت الأعمال والتبعات وأفلت الزمام من الأيدي، واختفى الزمام حينا عن الأبصار والبصائر، فلا يدرى من هو القابض عليه ومن هو المتخلي عنه، ولا يعرف أين كان مبدؤه ومنتهاه بين أيدي الأنصار وأيدي الخصوم.
ومن طبائع الثورات أن يخطئ الإنسان خطأ لا حيلة له فيه، وأن يكون خصمه هو المسئول عن خطئه ... ومن طبائعها أن تكون الثورة كالمطية الجموح تسوق من يركبها ولا يسوقها إلى غير مجراها، بل من طبائعها أن تتقسم الصواب والخطأ، فلا يكون الصواب كله يوما في جانب، ولا يكون الخطأ كله في جانب، وهكذا كانت الثورة العرابية بعد اندفاعها، إن لم تكن كذلك عند بداءتها وقبل استفحالها. وربما كان من خطأ الشيخ محمد عبده - بمذهبه السوي في الإصلاح - أنه كان المهندس الذي حاول أن يسوس مجرى السيل كما يسوس مجرى النيل ... ولكن الفارق بينه وبين الأكثرين من مخالفيه أن خطأه لم ينجم عنه ضرر، وأنه أدرك الأضرار التي تنجم عن أخطائهم وهم غافلون عنها، وأنه لم تكن له يد فيها؛ ولكنه اضطلع معهم بجميع تبعاتها ولم يتركهم وحدهم، حين جد الجد لاحتمال جريرتها.
الفصل التاسع
القضية القومية
انتظم محمد عبده في سلك الحزب الوطني منذ نشأة هذا الحزب قبيل عزل الخديو إسماعيل.
وقد تؤدي تسمية تلك الهيئة السياسية بالحزب إلى لبس كثير في أذهان المعاصرين الذين ألفوا نشوء الأحزاب على وضعها الحديث.
فإن الحزب الوطني الذي انتسب إليه معظم المشتركين في الثورة العرابية لم يكن حزبا يقابل أحزابا أخرى من أبناء البلاد تتعارض في المبادئ والبرامج على النحو الذي نعهده اليوم في الأحزاب السياسية، ولكنه كان في حقيقته هيئة واحدة شاملة للحركة الوطنية في جملتها، وإنما سمي بالحزب ليقابل جماعة الشراكسة والترك والألبانيين والأرمن الذين كانوا يتبعون الدولة العثمانية، وينفردون بولاية الحكم في الوظائف الكبيرة وأكثر الوظائف الصغيرة.
فالحزب الوطني على هذا الاعتبار كان هو حزب المصريين الفلاحين أو حزب الأمة المصرية، ومن أجل هذا كان شعاره «مصر للمصريين» جامعا لمبادئه المتعددة في كلمتين اثنتين، أو هو في الواقع كان مبدأ واحدا يجري تطبيقه على مختلف المسائل التي كانت تدخل في نطاق القضية القومية بجميع جوانبها.
كان رفع المظالم عن أبناء البلاد ومحاربة الفساد والإسراف في دواوين الحكومة، هو مبدأ المبادئ في سياسة الحزب الوطني منذ تأليفه قبل نهاية حكم الخديو إسماعيل، وينطوي في هذا المبدأ أن يصير حكم البلاد إلى أيدي أبنائها الذين أصابهم الظلم من حكم «العثمانيين» غير المصريين، وينطوي في هذا المبدأ أيضا منع التدخل الأجنبي الذي جرت إليه سياسة البذخ والإسراف وسياسة الديون في عهد إسماعيل على الخصوص، وينطوي فيه تنظيم إدارة الحكم والتوفيق بين مقاصد الحكام ومقاصد الرعية.
Bilinmeyen sayfa