فأحست بقشعريرة ذهبت بإرادتها، وشعرت أنها طوع إرادته، ولم تتمالك أن قالت: «افعل ما تريد. إذا كان ذلك يسرك.»
قال سعيد: «لا يسرني فقط، ولكنه واجب لا بد من قضائه، فإذا فرغنا من هذه المهمة تفرغنا للحياة معا. هل أنت على وعدك بأن تفعلي ما أوصيك به؟»
قالت عابدة: «نعم.»
فمد يده إلى جيبه وأخرج حقا فيه مسحوق وقال: «احتفظي بهذا العقار لأنبئك بما يلزم أن تعملي به.»
فتناولت الحق وجعلت تنظر فيه فقال: «لا تنظري فيه طويلا، سوف تعلمين ماذا تفعلين به. خبئيه بين ثيابك وانهضي لنذهب معا، إن الهودج في انتظارك خارجا.»
فنهضت وأصلحت من شأنها وهي مسرورة بأنها تفعل ما أمرت به، ونسيت نفسها وتغاضت عن أمنيتها كأنها نومت تنويما مغناطيسيا.
خرجت وركبت في الهودج، وتوجه هو إلى الأمير عبد الله فودعه وودع الفقيه وطمأنها، وركب بغلته وسار في أثر الهودج يطلبون قصر الزهراء.
ولم يكن لهم بد من المرور على القنطرة فوق الوادي الكبير، فتجاوزوها والرسول يتقدمهم وهم يسيرون في أثره، وسعيد يهيئ ما يقوله، وعابدة داخل الهودج تسترق النظر إليه من خلال أستاره، كلما سنحت لها الفرصة، وكلما رأته تتنهد وتقول كأنها تخاطبه: «ما لنا وللملوك وللدول! دعنا من هذه المطامع ولنعش معا في رغد وهناء، وليس في صحبة الملوك غير العناء، ولكن أبت مطامعك إلا أن تشقى وأشقى أنا معك، ولا تدري مصيرنا أين يكون؟»
الفصل الثالث والثلاثون
قصر الزهراء
Bilinmeyen sayfa