وخرج ومعه الفقيه ثم أحضر له المروخ ليتمرخ به عند الخروج من الحمام، وبعد ساعة بعث الأمير إليه أنه استحم وتمرخ، فجاء سعيد ومعه عابدة تحمل عودها، وجاء الفقيه ودخلوا على الأمير في غرفته، وأخذت عابدة تعزف على عودها وتغني، وكان الأمير قد أحس براحة منذ خرج من الحمام، فانشرح صدره لسماع الغناء، واستأنس بالفتاة وزاد تمسكا بها، وشعر براحة تامة كأنه لم يكن به بأس، فلما انقضى جانب من الليل أشار سعيد عليه بالنوم مبكرا التماسا للراحة، فأطاعه، وخرجوا على أن يبكروا في الغد، وذهب كل إلى منزله في قصر مروان.
وفي صباح اليوم التالي خلا سعيد بعابدة يعلمها شيئا من الشعر، وهي إنما كانت تتلذذ بمجالسته شغفا بحديثه وتمتعا برؤيته؛ لما علمته من تعلقها به، فقد كانت تهيم به وتتفانى في حبه، ولا تبالي بما تتجشمه في سبيل طاعته.
الفصل الحادي والثلاثون
طارق
وبينما كان سعيد في ذلك، إذ جاءه رسول الأمير يستقدمه إليه فأسرع، وقبل وصوله إلى باب القصر لاحظ أن بالباب رسولا صقلبيا من صقالبة الناصر، وتأكد من ذلك حين أقبل على الباب، فرأى الرسول واقفا هناك وقد ترجل عن جواده، وبجانب الجواد هودج عليه ستائر. كأن فيه امرأة.
فلما أقبل على الباب تقدم الحاجب ساهر واستقبله، وأشار إليه أن يدخل على الأمير، فدخل توا فرآه لا يزال في فراشه، وقد نزع عمامته ولبس قبعة النوم، ورأى الفقيه بين يديه وكلاهما ساكت، وفي يد الأمير رق عرف من العلامة التي على ظهره أنه كتاب من أمير المؤمنين، فتجاهل وحيا وهو يبتسم وينظر إلى الأمير نظرة مستفهم عما هو فيه، وابتدره قائلا: «كيف أصبح مولانا؟»
قال عبد الله: «أصبحت بخير من فضل الله، وقد فارقتني الحمى، لكنني لا أظنها إلا عائدة إلي قريبا.»
قال سعيد: «لا تخف يا سيدي. إنها لا تعود بعد ذهابها. وماذا أرى؟» وأشار إلى الرق.
فأشار عبد الله إلى الفقيه أن يغلق الباب، ومد يده وناول الرق إلى سعيد.
فتناوله سعيد وقرأه وأعاد قراءته، ثم نظر إلى الفقيه فرآه ينظر إليه وينتظر ما يبدو منه، فتلفت سعيد حوله، ثم وجه كلامه إلى الأمير عبد الله قائلا: «هذا شأن آخر. لم يخطر لي على بال.»
Bilinmeyen sayfa