من الأمير عبد الله إلى أخيه الحكم ولي العهد
أما بعد، فقد تسلمت كتابك، وعجبت لإلحاحك في طلب تلك الجارية بعد أن اعتذرت إليك عن إرسالها، وأنت مع ذلك تهددني وتعرض بما لك من المنزلة عند أمير المؤمنين - حفظه الله - وأمير المؤمنين أكبر من أن يجاريك في طلبك، ولعلك تحسب ذلك من حقوق ولاية العهد! على رسلك، ليس هذا من الصواب في شيء، وقد رأينا الخلفاء في الدولتين: الأموية بالشام، والعباسية في العراق، وفي دولة آل مروان هنا، إذا أكرموا أحد أبنائهم بولاية العهد عوضوا على سائر الأبناء والأعمام بالعطايا الجزيلة، ووسعوا لهم في أرزاقهم ووالوهم بالهدايا من الجواري والسراري والقصور والإقطاعات، فإذا علمت ذلك رجوت أن تعدل عن رأيك إلى ما هو جدير بك، في مراعاة حرمة أخيك بعد أن هنأك بما نلته من حق الخلافة، وأنت أعقل من أن تغير قلبه عليك، ونحن أحوج إلى التكاتف على عدونا من الانقسام فيما بيننا، والسلام.
فلما فرغ سعيد من الكتابة دفع الكتاب إلى الأمير عبد الله، فقرأه، فأعجبه أسلوبه، ولم يدرك ما فيه من التهديد، فوقع عليه وختمه، ونادى الحاجب وأمره أن يدفع به إلى الرسول. ففعل.
الفصل التاسع والعشرون
ختام الجلسة
أما سعيد فأراد أن يشغل الأمير عبد الله عن ذلك الشأن، فقال: «هل يأمر مولاي أن يسمع أغنية من عابدة قبل الذهاب إلى النوم، أم يفضل سماع الأحاديث والأشعار؟»
قال الأمير عبد الله: «نسمع شيئا من أخبار العرب.»
فالتفت إلى عابدة وقال: «قصي علينا ما تعرفينه يا عابدة.»
قالت عابدة: «وما عساي أن أقول بعد ما سببته من الخلاف بين الأمير عبد الله وأخيه ولي العهد الحكم؟! أود لو أني لم أخلق، أو أني لم أخرج من بغداد ولا أكون سببا لهذا الخلاف.»
فقطع الأمير عبد الله كلامها قائلا: «أنت تنقمين على وجودك، ونحن شاكرون له؛ لأنك ريحانة مجلسنا، وإذا وقع خلاف بيني وبين أخي، فهل هو أول خلاف وقع بين أخوين؟! ولو استطعت الصبر على الضيم لم أرض بالخلاف، ولكن أخي تجاوز حده. ما لنا ولذلك؟! قصي علينا ما يسلينا ساعة ثم ننصرف.»
Bilinmeyen sayfa