ثم أمر أبا موسى أن يقرني وأن تستبدل بأصحابي.»
وكان سعيد يقرأ ذلك ويوقع النبرات في أماكنها، بحيث يتضح المعنى المراد، وكان الأمير عبد الله يسمع ويعتبر؛ لقرب عهده بكلام الفقيه عن بذخ أبيه. ولاحظ الفقيه ذلك فقال: «لله در عمر بن الخطاب وسائر الخلفاء الراشدين؛ فقد كان أحدهم يلبس الثوب من الكرباس الغليظ، وفي قدميه نعلان من ليف، وحمائل سيفه ليف، ويمشي في الأسواق كبعض الرعية، وإذا خاطب أدنى الرعية أسمعه أغلظ من كلامه، وكانوا يعدون هذا من الدين الذي بعث به النبي
صلى الله عليه وسلم ،
2
أين هم وأين الخلفاء بعدهم!»
فقال سعيد: «لقد صدق الفقيه، وإن الجديرين بالخلافة قليلون، وقد تغير الناس وتغيرت أحوالهم بعد الخلفاء الراشدين، فانغمسوا في الأبهة والترف، ولم يفعل ذلك أحد منهم إلا دل على قرب ضياع دولته؛ كما أصاب العباسيين في بغداد في أواخر دولتهم، وأخشى أن يتفشى ذلك في هذه الدولة، والحق يقال لا أرى بين أبناء أمير المؤمنين أقرب في أخلاقه وتدينه من الخلفاء الراشدين غير مولانا الأمير عبد الله؛ فهو التقي الزاهد. لا أقول ذلك للفتنة - وقانا الله منها - فإن الأمر قد استتب الآن لمولانا الحكم، ولكنني أقول ما يخطر لي.»
فنظر الفقيه إلى الأمير عبد الله من طرف خفي، وأشار بعينيه كأنه يستشهد بما قاله سعيد على صحة قوله.
الفصل العشرون
عبد الله وعابدة
وخشي سعيد أن يقول الفقيه ابن عبد البر شيئا يغضب الأمير عبد الله؛ لأنه كان لحدة ذهنه يكاد يستطلع ما يدور في ذهن من يخاطبه، فأراد أن يغير الحديث فقال: «ما لنا ولهذا الآن؟ هل يأذن الأمير عبد الله بانصرافي؟»
Bilinmeyen sayfa