قال الأمير عبد الله: «بعث به إلي أخي الحكم ولي العهد، وكان قد خاطبني بشأنه اليوم ونحن في البهو.»
فلما سمع الفقيه اسم الحكم والبهو، تذكر أشياء كثيرة، وكاد يظهر التأثر على وجهه، لكنه تجلد وقال: «يقول مولاي الأمير إن مؤلفه على قيد الحياة!»
قال الأمير عبد الله: «نعم، وهو الآن في قرطبة، وقد شاهدته في هذا الصباح وسمعت خطابه.»
فانتبه الفقيه للأمير عبد الله وقال: «أظنه كتاب «الأمالي» لإسماعيل بن القاسم القالي! فقد علمت أنه ألف هذا الكتاب لمولانا ولي العهد، وطاف البلاد في البحث والتنقيب من أجله.»
قال الأمير عبد الله: «نعم، هو بعينه، وقد قدمه لأخي فذكره لي في صباح هذا اليوم وأرسله إلي لأطالعه، وإذا أعجبني كلفت أحد الوراقين بنسخه.»
فأطرق الفقيه برهة وهو يتأمل، ثم قال: «ولماذا لم يقدمه القالي للأمير عبد الله، وهو يعرف قدر العلم؟»
فضحك الأمير عبد الله وقال: «لا أدري. هل تزعم أن أخي لا يعرف قدر العلم؟!»
فأجاب الفقيه وهو يهز كتفيه: «هو يعرف كل شيء طبعا، ولولا ذلك لم يجعله أبوه ولي العهد.» وظهر من ملامح وجهه أنه يضمر شيئا آخر.
فقال الأمير عبد الله بسذاجة وصدق نية: «ربما كان هذا من أسباب ولاية العهد، ولكن الولاية آلت إليه لأنه أكبر إخوته.»
فقال الفقيه: «ليس الكبر شرطا من شروط الولاية؛ فإن الخليفة يجب أن يتحقق فيمن يوليه بعده أن يكون أهلا للحكم، وتكون شروط الخلافة متوفرة فيه؛ ولذلك رأينا كثيرين من الخلفاء عدلوا عن أكبر أولادهم إلى من هم دونهم في السن، أو بايعوا غير أبنائهم رغبة في مصلحة المسلمين.»
Bilinmeyen sayfa