فأراد سعيد أن يعرف ما تنطوي عليه نفسه، فقال له: «ألم تذهب اليوم يا سيدي لاستقبال رسل صاحب القسطنطينية؟»
قال ياسر: «نعم، ذهبت وأنا عائد الآن، وقد وصل القوم إلى الربض، فأقمنا عليهم الحراس حتى يأمر أمير المؤمنين بإحضارهم إليه.» قال ذلك، وفي نفسه شيء يكتمه.
فقال سعيد: «أعتقد أن يوم استقبالهم سيكون حافلا. أين يكون ذلك يا ترى؟»
قال ياسر: «في القصر الزاهر من قصور الخلافة. إنهم يهيئون المكان منذ أيام.»
قال سعيد: «كنت أظن أن أمير المؤمنين يستقبل هؤلاء الرسل في قصر من قصور الزهراء الفخمة؟»
فقال ياسر: «ولكن مولاي الأمير أمر أن يهيئوا القصر الزاهر لهذه الغاية.»
قال سعيد: «إنه سيكون مشهدا جميلا في داخل القصر.»
فأدرك ياسر أن سعيدا يرغب في الحضور، فقال له: «إذا شئت الحضور فادخل في رفقة الفقيه ابن عبد البر فلا يعترضك أحد. وإن كنت أنا في جملة المستقبلين فلا بأس عليك.» قال ذلك وبلع ريقه كأنه يخفي امتعاضا خامره، وكان سعيد يرقب كل حركة تبدو منه، فلما لاحظ استياءه، قال وهو يظهر الدهشة: «وهل هناك شك في أن تكون أنت ضمن المستقبلين؟! لا ريب أنك ستكون في المقدمة.»
فقال ياسر وفي صدره شيء يريد التصريح به ليشفي ما في نفسه من الغيظ، ولكنه أمسك نفسه وقال: «ربما لا أكون هناك.» فضحك سعيد وأظهر أنه لم يصدق كلامه، وقال: «كلا، إنك ستكون في صدر البهو. إني أعرف منزلتك عند أمير المؤمنين.»
فنهض ياسر فجأة ووضع أنامله على فم سعيد، كأنه يتلطف في إسكاته، وابتسم وقال: «كانت تلك المنزلة؛ ولكن ...» وخشي أن يخونه لسانه فيقول ما يندم عليه، فتظاهر بتغيير الحديث، وقال: «إني أري أناسا قادمين إليك، ولا أحب أن يعلم أحد بمجيئي إلى هنا اليوم. أستودعك الله.» قال ياسر ذلك وخرج تاركا سعيدا يفكر في سبب مجيئه، وفيما بدا منه من الألفاظ القليلة العدد، الكبيرة المعنى، وقد أهمه الاطلاع على ما في نفس ياسر.
Bilinmeyen sayfa