Abdurrahman el-Kavakibi
عبد الرحمن الكواكبي
Türler
ومن واجب المسلمين في كل زمن أن يفهموا دينهم وأن يعرفوا حكمة فرائضهم وعقائدهم، فليس من الإيمان الصحيح أن يحال الفهم على من سلف وأن ينقاد الخلف كله لغير ما عرف، ولا يكمل إيمان المسلم بغير الفهم والاجتهاد في كل موطن من العالم وفي كل حقبة من الزمن، فإن تعذر اجتهاد المسلمين جميعا فقيام العلماء بأمانة الاجتهاد فرض كفاية لا يسقط عن جيل من أجيالهم، ولا سلامة لمن يسقطونه عن أنفسهم.
ولا يعفى المقلد من الفهم الذي هو قادر عليه، فإن «العامة يهديهم العلماء مع بيان الدليل بقصد الإقناع، فالعلماء لا يجسرون على أن يفتوا في مسألة مطلقا ما لم يذكروا معها دليلها من الكتاب أو السنة أو الإجماع، حتى لو كان المستفتي أعجميا أميا لا يفهم ما الدليل، وطريقتهم هذه هي طريقة الصحابة كافة والتابعين عامة والأئمة المجتهدين والفقهاء الأولين من أهل القرون الأربعة أجمعين».
وللمقلد أن يختار بين أقوال المجتهدين ولا حرج عليه؛ «فإن البعض وصفوا المقلد لأحد المذاهب إذا أخذ في بعض الأحكام بمذهب آخر ملفقا، واستعملوا لفظة التلفيق في مقام التلاعب بالدين أو الترقيع القبيح، والحال ليس ما سموه بالتلفيق إلا عين التقليد من كل الوجوه، ولا بد لكل من أجاز التقليد أن يجيزه؛ لأنه إذا تأمل في القضية يجد القياس أنه هكذا يجب على كل مسلم عاجز عن الاستهداء في مسألة دينية بنفسه ويسأل عنها أهل الذكر ... وعلى هذا الاعتبار ما المانع للمسلم المقلد أن يتعلم كل مسألة من الطهارة والغسل والوضوء والصلاة من مجتهد أو فقيه تابع لمجتهد؟ ... ولا يعقل أن يكلف هذا المقلد بأخذ دينه كله من عالم واحد؛ لأن الصحابة - رضي الله عنهم - مع اجتهادهم وتخالفهم في الأحكام كان يصلي بعضهم خلف بعض مع حكم المؤتم منهم حسب اجتهاده بعدم صحة صلاة إمامه.»
1 •••
ويرى الكواكبي بحق أن الجمود والخرافة لا محل لهما بين أتباع دين متسم بالبساطة والجلاء، يأخذه خاصتهم وعامتهم مأخذ الفهم والبينة على حسب عقولهم ومصالحهم، فإن التدين على هذا العرف بمثابة بعثة متجددة يتلقاها المسلمون أبدا وكأنهم هم المسلمون الأولون جيلا بعد جيل.
ولم يغفل الكواكبي عن خطته العملية لتحقيق الإصلاح في هذا الباب، فإنه يذكر صفة العالم الذي يؤهله علمه للاجتهاد بالرأي والإقناع بالدليل، ويذكر موضوعات الكتب ودرجات هذه الموضوعات التي يتكفل علماء الإسلام بنشرها للعمل بها أو لفائدة المقلدين على تفاوتهم في القدرة على الاستفادة من المطالعة والمراجعة.
فينبغي للعالم المجتهد:
أولا:
أن يكون عارفا باللغة العربية المصرية القرشية بالتعلم والمزاولة، معرفة كفاية لفهم الخطاب لا معرفة إحاطة بالمفردات ومجازاتها وبقواعد الصرف وشواذه والنحو وتفصيلاته والبيان وخلافاته والبديع وتكلفاته، مما لا يتيسر إتقانه إلا لمن يفني ثلثي عمره فيه، مع أنه لا طائل تحته ولا لزوم لأكثره إلا لمن أراد الأدب.
ثانيا:
Bilinmeyen sayfa