Abdurrahman el-Kavakibi
عبد الرحمن الكواكبي
Türler
ولا نرى ما يراه الدكتور الدهان من التشابه بين أسلوب الكواكبي وأسلوب الأستاذ الإمام أو تلميذه السيد رشيد؛ فإن في الكتاب من مآخذ النحو والصرف والتركيب ما يتحرج منه السيد رشيد غاية التحرج، ولا يسكت عن نقده إذا عرض عليه، كما صنع مرارا في تعقيبه على الرسائل والمصنفات التي يقرؤها لأصدقائه وزملائه، والأستاذ الإمام يكتب بقلمه على نهج غير نهج السيد رشيد، كما يظهر من أسلوبه في «رسالة التوحيد»، وفي «الإسلام والنصرانية»، وفي المقالات الأدبية، ويقع الالتباس أحيانا بين أسلوب الإمام وأسلوب تلميذه؛ لأن قراء المنار كانوا يحسبون أن تفسير القرآن الذي كان ينشر فيه مكتوب بقلم الشيخ محمد عبده، وهو في الحقيقة ملخص أو مقتبس من دروسه في الرواق العباسي بقلم صاحب المنار؛ ومن هنا يظن أن الأسلوبين على شبه قريب، وهما مختلفان مع اتفاقهما في التحرز من المآخذ اللغوية واجتناب الصيغ المولدة والصيغ التركية.
ولا يمتنع عندنا أن يكون الشيخ محمد عبده أو السيد رشيد قد نظرا في الكتاب وأبديا عليه بعض الملاحظات وأخذ المؤلف بما أبدياه؛ بل نحن نجزم بمراجعتهما لآراء الكتاب ونصيحتهما بحذف طائفة من العبارات السياسية التي وردت فيه، وتثبت هذه المراجعة من المقابلة بين النسخة التي طبعها السيد رشيد في مطبعة المنار والنسخ التي لم يشرف على طبعها؛ فقد حذفت منها العبارات التي اشتدت فيها الحملة على الدولة العثمانية، واتبع السيد رشيد في حذفها رأي الأستاذ الإمام فيما وجهه إليه من النصائح غير مرة؛ إذ قال السيد رشيد وهو يعد وجوه النقد التي كان أستاذه يصارحه بها: إنها تشمل «الخوض في سياسة الدولة العثمانية في بعض الأحيان» ... قال: «وهذا ما كنت أكرهه أنا أيضا فيعرض لي من الضرورة ما يحملني عليه، وجل عملي المهم منها كان سريا، وقد أشرت إلى ذلك في فاتحة المجلد الثاني عشر من المنار سنة 1327ه، ولم ننل منها ما نهواه إلا بعد أن اصطفاه الله ...»
والمشهور عن الأستاذ الإمام أنه ابتلي بالمتاعب المرهقة من آفات السياسة حتى ملها، واستعاذ بالله منها في كلمته المعروفة: «أعوذ بالله من السياسة ... ومن ساس ويسوس وسائس ومسوس»، وطفق ينصح لمريديه باجتنابها لتمحيص القول في المبادئ والأصول التي يتجرد الناس من أهوائهم ومآربهم عند نظرها، ولا يصدون عنها ذهابا مع وساوس العصبية ونوازع المنفعة والنفاق، وقد كان الأستاذ الإمام يبيح النقد ويأبى الحملة على الدولة العثمانية في محنتها، وأحرى به أن يأبى الإغراق في هذا النقد على طريقة الكواكبي كلما استثارته حماسة الدعوة فشدد النكير وبالغ في الاتهام، ومن دلائل هذه المبالغة - ولا ريب - أنه استطاع أن يكتب «أم القرى» و«طبائع الاستبداد» ويخرج بهما من حلب ويحملهما في طريقه ولا يحال بينه وبين ذلك كما حيل بين أصحاب الأقلام وبين أمثال هذه الكتابة في الأقطار الأوروبية لزمانه، وكما يحال بينه وبين أمثالها في بلاد الدول المستبدة التي تخضع لحكوماتها المطلقة.
ولا نعتقد أن مراجعة الأستاذ الإمام أو صاحب المنار تجاوزت هذه الملاحظة إلى غيرها من أفكار المؤلف وآرائه، ومن تجاربه وتعليلاته؛ فإن مادته من هذه الأفكار والآراء ومن هذه التجارب والتعليلات أوفر جدا من أن تحتاج إلى مدد يضاف إليها، وحسبه نموذج واحد يلمسه بيديه ولا يقدر على الفكاك منه، ليقيس عليه كل ما أحصاه في أم القرى من فساد السلطة الدينية والسلطة السياسية في عصور الاستبداد أو عصور التخلف والجمود.
حسبه نموذج «أبي الهدى الصيادي» الذي انتزع نقابة الأشراف من بيت الكواكبي بغير حق من حقوق النسب أو الفضل أو الكفاية، ليضعه أمامه وينقل عنه آفات السلطتين ومواطن الحاجة إلى علاج هذه الآفات، والمقابلة فيها بين الداء والدواء.
لقد كان الكواكبي ينعى على جهلاء المسلمين استغاثتهم بأصحاب الأحضر، ولا يفرق بينها وبين الشرك بالله، ويضرب المثل على ذلك بقولهم:
عبد القادر يا جيلاني
يا ذا الفضل والإحسان
صرت في خطب شديد
من إحسانك لا تنساني
Bilinmeyen sayfa