فقالت: «وأي علوي تعني؟ وما خبره؟ إني لم أسمع بشيء من هذا القبيل.»
فاعتدل في مجلسه، وقص عليها ما سمعه مساء الأمس من الجارية حتى أتى
بسلطة فوضها الله إليه. إن أباك مع تعقله وحزمه قد استسلم لهذا الفارسي حتى أصبحت الخلافة له، ولم يبق لأبيك إلا اسمها، ولكن سوف يلقى الباغي عاقبة بغيه.»
فقال: «لا أنكر عليك أن والدي أطلق يد هذا الوزير في أمور الدولة، ولكن ألا تظنين ذلك لازما ليضمن سير الأعمال؟ وهل يستطيع أمير المؤمنين أن يتولى كل الأعمال بنفسه؟»
فقالت والجد ظاهر في عينيها: «إن إطلاق يده في شئون الدولة قد يكون له فيه عذر، ولكن ما عذره في إدخاله على حريمه بلا إذن ولا حرج؟ إن جدك المهدي - رحمه الله - مع استخدامه البرامكة وثقته بهم، لم يبلغ هذا الحد من إطلاق أيديهم، ولا عمك الهادي فعل شيئا من ذلك، ولا أظن أن أحدا يفعل ما فعله أبوك.» قالت ذلك وقد ظهر الغضب على وجهها فزادها هيبة.
قال: «وماذا تعنين يا أماه بدخوله على الحريم؟»
قالت: «أعني أن أباك - حفظه الله - أمن أن يدخل جعفر على دور النساء في السفر والحضر، وأبرز إليه جواريه وإخوته وبناته؛ لزعمه أن بينهما رضاعا يحلل ذلك، فهو يدخل إلى قصور نساء الخليفة وبناته وأخواته بلا حرج، فلا عجب إذا ظهر ما ظهر من جرأته.» وتنهدت وقد أخذ الغضب منها مأخذا عظيما. وكان في يدها جام فيه مسك تتشاغل بتفتيته في أثناء الحديث، فلما غلب عليها الغضب ارتعشت أناملها فوقع الجام من يدها وانتثر فتات المسك على البساط، فهم الأمين بالتقاطه وهو يقول: «وهل بلغ من إطلاق يده في دور النساء أن يدخل إلى قصرك ويراك؟» وقد بانت الغيرة في وجهه.
فصاحت: «كلا، وهل يجسر هذا المولى أن يرفع بصره إلي؟ إنه لم يطأ أرض قصري هذا ولا كلفته بحاجة يقضيها لي ولن أكلفه.»
1
وكان الأمين قد فرغ من التقاط المسك، فأعاده إلى الجام ودفعه إلى أمه وهو يقول: «وما الرأي الآن؟ إن هذا الرجل لا ينبغي أن نستر فعله وإلا ذهب الأمر من أيدينا، واكتسينا العار الذي لا يمحى لما ارتكبه هذا الخائن بعمتي.»
Bilinmeyen sayfa