عساني وفقت في التعريب إلى تخير المأنوس المألوف من الألفاظ دون غريبها ووحشيها. ولذلك فقد اكتفيت في الشرح بالإشارة إلى المراد من اللفظة في مكان أخاله مظنة للالتباس، أو بالإلماع إلى العادة أو الحالة من عادات الهند وأحوالها، وما إلى ذلك، مما لم يمر به المطالع العربي، وأخاله داخلا في باب «العلم بالشيء ولا الجهل به».
هوامش
الفصل الثانى
لئن عرفت أوروبا طاغور شاعرا خياليا رائع المعاني، ناصع الألفاظ، طاهر النفس، عفيف الفؤاد، فحكم له أدباؤها بالتفوق والسبق وأنالوه جعلا من الأصفر الرنان، وأجله ملوكها، فزانوا صدره بوسام، وشرفوا اسمه بلقب سام، فإن الهند عرفته من قبل تقيا ورعا قديسا، ومعلما وواعظا إلهيا، ومغنيا وخطيبا روحيا، إذا تكلم أذاب قلوبهم بعذوبة صوته، وإذا خطب حرك نفوسهم بسحر بيانه، حتى إذا رتل قصيدته أشجاهم فأبكاهم، أو أطربهم فطار بألبابهم في سماء الخيال، فرفعوه عن مراتبهم وأنزلوه منزلة النبي الشاعر، وتخذته طائفة ملكا غير متوج على القلوب والنفوس دون الرءوس. وقد علمت من أمره أنه إذا دخل الهيكل الكبير في كلكتة ليخطب ويرتل، ضاق المقام على رحبه بالحضور، وغصت طرقاته وأبوابه بالوفود. وهو موسيقار ماهر وأستاذ، بل حجة في فن الغناء. وإذا نظم القصيدة صنع لها اللحن، فأصبحت أنشودة وأغنية معا. فإذا قلنا قصائده أردنا أغانيه، وإذا قرأناها فزنا بمعانيها وفاتتنا ألحانها. وهي إما دينية روحية تستنزل السماء إلى الأرض، ومنها المجموعة التي سماها غيتا نجلي أي «قرابين الأغاني»، أو دنيوية غرامية ترفع الأرض إلى السماء، ومنها أشعار «البستاني» هذه. وقد قال عن نفسه: إن الله أرادني شاعرا مغنيا، فهو كذلك يعبده ويسبحه طول حياته:
لقد آذنت شمسك بالمغيب، واشتعل رأسك شيبا؛ فحسبك غناء وإنشادا، بل آن لك أن تصغي وتصيخ إلى «داعي الغد» فتقول: «لبيك».
الشاعر: هو ذا المساء، وهأنذا مصغ ومصيخ؛ أتريث طارقا أفتح له. وهأنذا أرصد وأترقب، لعل قلبين هائمين يلتقيان، فأزف إليهما آي التهنئة؛ أو لعل توءمين من العيون الساجية يتسولان نغما شجيا يحرك سكونهما ويترجم عنهما. ومن للقلوب وعواطفها، وللعيون وأسرارها، إذا أنا تبوأت من ساحل الحياة صخرة صماء ولبثت شاخصا إلى أكمة الموت وما وراءها؟
تلك غرة جبين السماء تأفل وتتوارى، وذاك لهب النضد
1
يخمد شيئا فشيئا على ضفة النهر المتهادي؛ وهذه جوفة من بنات آوى تصوب أصواتها وتصعدها في عرصة الدار المهجورة، على ضياء الهلال الضئيل. فإذا اتفق أن أخا قرويا درج من كوخه، ومر هذا القبيل، ليحدق في الليل، ويتفرس فيه، ثم أطرق مصغيا إلى ثرثرة الظلام، فمن له بخل يقف به فيهمس في أذنه بأسرار الحياة، إذا أنا اعتصمت بمنزلي وأوصدت أبوابي، حتى كأني أعالج قيود البشرية وسلاسل الإنسانية لأتملص منهما وأخلص نجيا؟
وما علي إن نصلت لمتي من خضابها، ومسخت السوداء بيضاء؟ وما شأن فحمة صارت رمادا؟ وها أنا اليوم فتى وكهل معا، أصحب الصبية والشيوخ على حد سوى.
Bilinmeyen sayfa