لمجريات الأحداث بمداه الأوسع في آسيا، وإفريقيا، وأوروبا، يمثّل التأريخ "العالميّ" -إنْ جاز التعبير- في عصره.
كما يظهر جليًّا انعتاق المؤلّف من أسلوب المؤرّخين الحديثيين الذين يعتمدون على الأسانيد، كما هو الحال عند "الطبريّ" وغيره، بل هو لا يجد غضاضةً في تضمين الكتاب أخبار الغرائب والعجائب، والطرائف والنوادر، وهو يُضْفي، من حينٍ لآخر، لمسةً مُسلّية على الكتاب، ليخفّف على قارئه من الإلتزام الصارم بسرد الحوادث والوَفَيَات، ويهتمّ كثيرًا بأخبار الظواهر الطبيعية، وأخبار الكوارث من غلاء، ووباء، وطواعين، وطوفان، وسيول، وزلازل، ورياح، وعواصف، وصواعق، وثلوج، وحرائق، وأمطار، وكسوف، وخسوف، وسقوط شهاب، وانقضاض كوكب، وظهور مذنَّب، وجراد، وقحط، وزيادة مياه النيل، وانخفاض منسوبه، وتغيّر لونه، وانخساف الأرض، وغير ذلك من الأخبار العجيبة، فضلًا عن اهتمامه بالأبراج الفلكيّة.
والمُلْفِت أنّ المؤلّف يهتمّ بذكر أسماء المؤلّفِين وكُتُبهم، ويُفتَرَض أنه اطلع عليها، ومع ذلك فهو يخطئ في التأريخ لوَفَيَات المؤلّفين، ولتواريخ مؤلّفاتهم. فهو يؤرخ لوفاة "محمد بن جرير الطبري" في سنة ٣٠٥ هـ (١). والصواب ٣١٠ هـ. ويؤرّخ لوفاة "الخرائطي" صاحب "اعتلال القلوب" في سنة ٣٢٥ هـ (٢). والصواب وفاته في سنة ٣٢٧ هـ. ويؤرّخ لوفاة "ابن عبد ربّه الأندلسي" صاحب "العقد الفريد" في سنة ٣٢٦ هـ (٣). والصواب سنة ٣٢٨ هـ. ويؤرّخ لوفاة "الجهشياري" صاحب "الوزراء والكُتاب" في سنة ٣٢٨ هـ (٤). والصواب سنة ٣٣١ هـ.
وذكر أن "تاريخ سعيد بن بطريق" كان آخره في سنة ٢٩٨ (٥) هـ. والصواب أنّ الكتاب ينتهي في خلافة "الراضي العباسي" سنة ٣٢٦ هـ. ومات "ابن بطريق" في سنة ٣٢٨ هـ. ويذكر أنّ "آخر تاريخ الصابي" في سنة ٣٧٠ هـ (٦). ولم يوضح اسم الكتاب ولا اسم مؤلّفه، علمًا بأنّ "ابن هلال الصابي" توفي سنة ٤٤٨ هـ. وله أكثر من كتاب في التاريخ منها تاريخه الذي يشتمل على الحوادث من سنة ٣٦٠ حتى سنة ٤٤٧ هـ.
_________
(١) البستان - ورقة ١٢٤.
(٢) البستان - ورقة ١٣١.
(٣) البستان - ورقة ١٣١.
(٤) البستان - ورقة ١٣٢.
(٥) البستان - ورقة ١٢١.
(٦) البستان - ورقة ١٥٦.
1 / 12