(قال الفقيه) رحمه الله: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى منى ويعرض على أهل الموسم الإسلام فمر على نفر من أهل المدينة فعرض عليهم الإسلام، فأسلم معاذ بن عفراء وأسلم القوم كلهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل لكم أن تنصروني حتى أبلغ رسالات ربي؟ فقالوا: يا رسول الله كان بيننا قتال في العام الأول ونحن متباغضون ولكن موعدك الموسم من العام الثاني، فرضي بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعوا إلى المدينة فدعوا الناس في السر فلم تأت سنة حتى أسلم أهل بيت كبير في المدينة، فلما حضر الموسم خرج من المدينة ناس كثير ونزلوا بمنى فخرج منهم سبعون رجلا من الأنصار وامرأة فنزلوا بقعة من منى عن يمين الجمرة، فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحالهم ومعه العباس بن عبد المطلب فقاموا إليه وحيوه بالسلام وسلم عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن موسى أخذ من بني إسرائيل اثني عشر نقيبا وأنا آخذ منكم النقباء كما أخذ موسى من قومه، فبايعوه وقالوا: يا رسول الله اشترط لربك ولنفسك؟ قال أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا واشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأهليكم، قالوا: فإن فعلنا فما لنا؟ قال: لكم الجنة فقالوا: ربح البيع، فصاح إبليس لعنه الله بمنى فقال: يا معشر قريش هذا محمد يحالف أهل يثرب عليكم، فجاءوا يطلبونه فلم يجدوه، فلما رجع النقباء إلى المدينة بعث معهم مصعب بن عمير يعلمهم القرآن ويفقههم في الدين. فلما علم أهل مكة أن محمدا صلى الله عليه وسلم وجد أنصارا ومهاجرين مكروا به وأرادوا قتله، فأمره الله تعالى بالهجرة إلى المدينة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم منزل أبي بكر فقام إليه أبو بكر رضي الله تعالى عنه وقبل رأسه وقال: ما لك يا رسول الله؟ قال: إن قريشا قد أرادوا قتلي، فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه دمي دون دمك ونفسي دون نفسك، قال النبي صلى الله عليه وسلم : أذن لي بالهجرة، فقال أبو بكر: عندي بعيران حبستهما للخروج فخذ أحدهما، فقال: لا آخذه إلا بثمن فاشتراه منه، فلما أمسى خرج هو وأبو بكر راجلين فسارا نحو جبل يقال له ثور وانتهيا إلى الغار وأمر أبو بكر رضي الله تعالى عنه عبد الله بن فهيرة بأن يرعى غنمه بثور وتخلف تلك الليلة علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاءت قريش ودخلوا عليه فوجدوا علي بن أبي طالب فقالوا له أين محمد؟ فقال: لا أدري فخرجوا على أثره حتى أتوا ثورا ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر رضي الله تعالى عنه في الغار فعمي عليهم مكانه فأرسلوا في كل مكان يطلبونه فلم يقدروا عليه فرجعوا، وكان عبد الله بن أبي بكر يأتيه بأخبار أهل مكة كل ليلة، وكان عبد الله بن فهيرة يأتي بالغنم ويحلبون ويذبحون ما أرادوا فمكثنا فيه ثلاث ليال، ويقال: أكثر من ذلك حتى سكن الهرج من أهل مكة، ثم خرجا من الغار واستأجرا رجلا يدلهما على الطريق يقال له عبد الله بن أريقط حتى قدما المدينة يوم الاثنين لليلتين مضتا من ربيع الأول.
الباب السابع والخمسون بعد المائة: في ذكر مغازي النبي صلى الله
عليه وسلم
(قال الفقيه) رحمه الله: روي في الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا ستا وثلاثين غزوة ثمانية عشر منها خرج بنفسه وثمانية عشر بعث السرية ولم يخرج بنفسه. وقد روي أيضا في بعض الأخبار أنه غزا أربعين غزوة وروي أكثر من ذلك.
فكان أول غزواته أنه بلغه أن جمعا من قريش خرجوا من مكة فخرج صلى الله عليه وسلم مع جماعة من أصحابه في صفر بعد هجرته باثني عشر شهرا، فساروا حتى نزلوا موضعا يقال له ودان فبعث منها عبيدة بن الحارث مع جماعة من المهاجرين فلقيهم جماعة من قريش فكان بينهم رمي ولم يكن بينهم قتال غير ذلك.
ومن غزواته صلى الله عليه وسلم غزوة النخلة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن جحش بعد هجرته بستة عشر شهرا في أحد عشر رجلا من المهاجرين إلى عمرو بن الحضرمي مع أصحابه من قريش وقد حملوا أديما وزبيبا ومتاعا فنزلوا تحت نخلة، فلما مر بهم عير قريش خرجوا إليهم وقتلوا عمرو بن الحضرمي وأسروا اثنين منهم وهرب الباقون وأخذوا ما معهم من المال في آخر جمادى الآخرة وجاءوا إلى المدينة.
ومن غزواته صلى الله عليه وسلم غزوة بدر، وبدر اسم موضع كان القتال فيه في شهر رمضان في السنة الثانية بعد الهجرة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن عيرا لقريش خرجت من الشام فيهم أبو سفيان بن حرب مع أربعين رجلا من تجار قريش، ويقال سبعون رجلا من تجار قريش، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ثلثمائة وثلاثة عشر من أصحابه من المهاجرين والأنصار، فبلغ ذلك الخبر إلى مكة فخرج منها ألف ومائتان وخمسون رجلا، فلما وجدوا العير رجع ثلثمائة وبقي تسعمائة وخمسون رجلا فالتقى الجمعان فهزم الله المشركين ونصر المسلمين، وقتلوا من المشركين سبعين وأسروا منهم سبعين ولم يكن في الدنيا وقعة أعظم من وقعة بدر، وذلك أن إبليس لعنه الله جاء بنفسه وحضرت الشياطين وحضر كفار الجن كلهم، وحضر تسعمائة وخمسون من صناديد قريش، وحضر ثلثمائة وثلاثة عشر من المؤمنين وهم أهل الإسلام جميعا وهم أفضل الخلق وتسعون من مؤمني الجن، وألف من الملائكة. وروي عن الحسن البصري أنه كان إذا قرأ سورة الأنفال يقول:
Sayfa 422