فأما وضع المعاني مواضعها التي تليق بها فكقول امرئ القيس؛ في عنفوان أمره وجدة ملكه:
(فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة ... كفاني ولم أطلب قليل من المال)
(ولكنما أسعى لمجد مؤثل ... وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي)
فوضع طلب الرفعة وسمو المنزل موضعه إذ كان ملكا، لأن ذلك يليق بالملوك، ثم وضع القناعة في موضعها لما زال عنه ملكه فصار كواحد من رعيته، لأن ذلك أولى بمن هذه منزلته فقال:
(إذا ما لم تكن إبل فمعزي ... كأن قرون جلتها عصى)
(إذا ما قام حلبها أرنت ... كأن الحي بينهم نعي)
(فتملأ بيتنا اقطا وسمناه ... وحسبك من غني شبع وري)
ويتبع لمن كان قوله للشعر تكسبا لا تأدبا أن يحمل إلى كل سوق ما ينفق فيها، ويخاطب كل مقصود بالشعر على مقدار فهمه، فإنما ربما قيل الشعر الجيد فيمن لا يفهمه فلا يحسن موقعه منه، وربما قيل الشعر الداعر لهذه الطبقة فكثرت فائدة قائله لفهمهم إياه، ولهذا المعنى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث يرويه عنه الشيعة:
إنا أمرنا - معاشر الأنبياء - أن نكلم الناس على مقادير عقولهم, وقال الشاعر:
Sayfa 149