وأما كاتب الحكم: فهو كاتب الحكام، وليس شيء من أمور الدين وأعمال السلاطين هو أعظم خطرا ولا أجل قدرا، ولا أبقى على الأيام أثرا من الحكم، وكيف لا يكون كذلك وهو خلافة النبوة، وأمر الله في الفروج والدماء والأموال، الباقي على تصرف الأحوال والأزمان، ولذلك جعل الله تعالى الحكومة إلى العدل دون غيرهم، فقال - جل من قائل -: {يحكم به ذوا عدل منكم} وجعل الشهادة أيضا في العدول، فقال: {وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله} وأعلمنا - عز وجل - أنه إنما يوفق من الحكام من حسنت نيته، وكان الصلاح طويته فقال - عز وجل -: {إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما}، وأمور الأحكام من ملة الإسلام الجارية على أربعة أوجه: أحدها وهو أعظمها حكم القضاء، ثم حكم المظالم، ثم حكم الديوان، وهو حكم الخراج، ثم حكم الشرطة، والذي يعم جميع هؤلاء أنهم لا يستحقون تقلد شيء من هذه الأحكام إلا بأن يكونوا عدولا في أنفسهم، عالمين بما توجبه مراتب أعمالهم، غير متعدين لرسوم أحكامهم، يرحمون المظلوم، ويخشنون على الظالم، ويؤثرون الحق، ولا يميلون مع الهوى، ولا يشرهون إلى حطام الدنيا ثم على القاضي أن # يختار لنفسه كاتبا يكون مثله، يقاربه في النزاهة والأمانة، والعفة والعدالة والعلم بالحلال والحرام، والسنن والأحكام، وما توجبه أقسام الكلام، ودليل على أنه يشترط عدالة الكاتب - قوله تعالى -: {وليكتب بينكم كاتب بالعدل} ووجه الدليل أنه لا يكتب بالعدل، لأن الفاسق متهم، ويحمله فسقه على خلاف المصلحة والعدل المأمور به، فوجب أن يكون كما ذكرناه، وإذا كان كذلك فترد إليه كتب الشروط والإقرارات والمحاضر والسجلات، ويجعله مؤتمنا على خزن ذلك وحفظه. ولإخراج ما يحتاج إليه في وقت الحاجة إلى إخراج. وقد ذكر الناس في كتاب الشروط والمحاضر والسجلات ما يغني من نظر فيه، إلا أننا لا نحب أن كتابنا [يخلو] من مثال لكل ما نذكره، لتكون معانيه كاملة فيما قصد له؛ فجملة الشروط أن يذكر المشترط والمشترط عليه ويعرفهما بأسمائهما وأنسابهما وبتجارتهما إن كانا تاجرين أو بضاعتهما إن كانا صانعين، أو أجناسهما أو أسماء بلدانهما، أو أنسابهما في العرب أو العجم، ثم يذكر الشيء الذي يجمع الشرط فيه، فإن كان بيعا ذكرت البيع ووصفته وحددت المبيع إن كان مم يحدد كالأرضين والدور، أو يجنسه ووصفت عينه، إن كان مما لا يحد كالرقيق والدواب وعروض التجارات، ثم تذكر الثمن ومبلغه وتصف بعده ووزنه، ثم يذكر التقابض منهما والتفرق بعد الرضا، ثم يضمن البائع الدرك للمشتري، وإن كان إجارة ذكرت الإجارة ومدتها، والشيء الذي استؤجر ونعته، وحددت ما يحدد منه، وصفت ما لا يحدد، وذكرت مدة الإجارة، وجعلتها على شهور العرب # دون غيرها، وذكرت مال الإجارة، وأوقات وجوبه، وذكرت قبض المستأجر ما استأجر ورضاه به، وتفرقهما بعد الرضا، وإن كان فيما استؤجر نخل أوشجر استثنيت بذلك، وبمواضعه من الأرض من الإجارة، وجعلته في آخر الكتاب معاملة ومساقاة بجزء من الثمر، فإنه لا يجوز في الأحكام غير ذلك، وضمنت المؤجر الدرك المستأجر. وإن كان صلحا ذكرت الشيء الذي صولح عليه: وإن كان براءة وصفت ما تبرئ من، وإن كانت البراءة بعرض ذكرت العرض، وإن كان إقرارا ذكرت مبلغه، وهل هو حال أو مؤجل، وإن كان مؤجلا ذكرت أجله، ووقت حلوله، وحددت ذلك بشهور العرب، وإن كان وكالة سميت الوكيل ونسبته، وذكرت ما وكل فيه من خصومة ومنازعة وقبض أو صلح، أو قسمة أو بيع أو شراء أو غير ذلك من الأشياء التي تقع الوكالة في مثلها، وقررت الوكيل بالقبول؛ وإن كان رهنا ذكرت أولا الدين في صدر الكتاب، ووقت، محله ثم ذكرت قسمته ووصفته وحددته وحددت ما يحدد منه، ثم قررت المرتهن بقبض ذلك، وإن وكله في بيعه عند المحل ذكرت الوكالة بذلك بعد فراغك من أمر الدين والرهن، وإن كانت وصية قررت الموصي بعد تسميتك إياه في صدر الوصية، بشرائع الإسلام، ثم ذكرت أنه أوصى بكذا وكذا.
Sayfa 303