وليس يلفت في الخطابة إلا حلاوة النغمة إذا كان الصوت جميلا لأن حلاوة النغمة إنما تراد في التلحين والإنشاد دون غيرهما. وليس ينبغي للخطيب أن يحصر عند رمي الناس بأبصارهم إليه، ولا يعبأ بالكلام عند إقبالهم عليه، وقد روى أن عثمان - رضوان الله عليه - لما بويع له صعد المنبر، فحصر وأرتج عليه فقال: "أيها الناس إنكم إلى إمام عادل، أحوج منكم إلى إمام قائل" وإن أبا بكر وعمر - رضوان الله عليهما - كانا يعدان لهذا المقام مقالا، وستأتيكم الخطبة على وجهها إن شاء الله". وأرتج على آخر - وقد صعد المنبر - فنزل وأنشأ يقول:
(فإلا أكن فيكم خطيبا فإنني ... بسيفي إذ جد الوغي لخطيب)
فكان يقال: لو قاله وهو على المنبر كان من أخطب الناس. وقد استعاذ الشاعر من الحصر والعي فقال:
(أعذني رب من حصر وعي ... ومن نفس أعالجها علاجا)
وينبغي له أن يتقي خيانة البديهة في أوقات الارتجال، ولا يغره انقياد القول له في بعض الأحوال، فيركب ذلك في سائر الأوقات، وعلى جميع الحالات، وإن وفق بانقياد القول له ومسامحته إياه فأتى بالبديهة عما يأتي به غيره بعد التروية، فذلك الخطيب الذي لا يعادله خطيب.
Sayfa 168