ومن أوصاف البلاغة أيضا الشجع في موضعه، وعند سماحة القول به، وأن يكون في بعض الكلام لا في جميعه، فإن السجع في الكلام كمثل القافية في الشعر، وإن كانت القافية غير مستغنى عنها، والسجع مستغنى عنه، فأما أن يلزمه الإنسان في جميع قوله [ورسائله] وخطبه ومناقلاته فذلك جهل من فاعله، وعي من قائله، وقد رؤيت الكراهية في وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله، فروى أن رجلا سأله فقال: يا رسول الله: أرأيت من لا شرب ولا أكل، ولا صاح فاستهل، أليس مثل ذلك يطل؟ قال. فقال: أسجع كسجع الجاهلية؟ ! وإنما أنكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله ذلك لأنه أتى بكلامه مسجوعا كله، وتكلف فيه السجع تكلف الكهان، فأما إذا أتى به في بعض كلامه ومنطقه، ولم تكن القوافي مجتلبة متكفة، ولا متمحلة مستكرهة، وكان ذلك على سجة الإنسان وطبعه، فهو غير منكر ولا مكروه، بل قد أتى في الحديث: "فيقول "العبد: مالي مالي، وماله من ماله إلا ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فأمضى، ومما تكلم به بعض أهل هذا العصر، فأتى بالسجع فيه محمودا، ومن الاستكراه بعيدا، قوله: "والحمد لله الذي ادخر المنة لك، فأخرها حتى كانت منك، فلم يسبقك أحد # إلى الإحسان [إلي]، ولم يحاضك أحد في الإنعام على، ولم تنقسم الأيادي شكري فهو لك عتيد، ولم تخلق المننن [وجهي] فهو لك مصون جديد، ولم يزل ذمامي مضاعا حتى رعيته، وحقي مبخوسا حتى تضيته، ورفعت من ناظري بعد انخفاضه، وبسطت من أملي بعد انقباضه، فلست أعتد يدا إلا لك، ولا منة إلا منك، ولا أوجه رغبتي إلا إليك، ولا أتكل في أمري بعد الله - عز وجل - إلا عليك فصانك الله عن شكر من سواه، كما صنتني عن شكر من سواك".
ومما يباين هذا مما وضع غير موضعه قول صديق لنا في فصل رقعة له: "ورزقني عدلك، وصرف عني خذلك، وقوله أيضا: "ولقد جلت عندي بأبي فلان المصيبة، وعظمت الشصيب"، وقول آخر في صدر رقعة: "أطال الله لي [بقاءك] خصيصا، ولأوداتك فيصوصا".
Sayfa 166