وكل هذا إنما أرادوا به حجز اللسان عن الكلام فيما لا يعلمون، والتسرع إلى إطلاق ما لا يحصلون، وكما أن الصمت في أوقاته، وعند الاستغناء عنه حسن، فإن الكلام في أوقاته وعند الحاجة إليه أحسن، وقد روى عن مولانا على بن الحسين - عليه السلام - قول، انتظم معنى ما أرادته # العلماء في النطق بأخصر قول وأشبه بكلام أمثاله - عليه السلام - فقال: السكوت عمالا لا يعنيك أمثل من الكلام فيه، والكلام فيما يعنيك خير من السكوت [عنه]، وحسب الأديب أن يستشعر هذا القول، فإنه يهجم به على محاسن الأمرين إن شاء الله، وقد يصمت الإنسان ويستعمل الكتمان لمخافة، أو رقبة أو بإسرار عداوة، أو بغضة، فيظهر في لحظاته وحركاته ما يبين عن ضميره، ويبدى مكنونه مثل ما يظهر الدمع عند فقد الأحبة، ومن تغير النظر عند معاينة أهل العداوة، ولذلك قال الشاعر:
(إذا لقيناهم نمت عيونهم ... والعين تظهر ما في القلب أو تصف)
وقال آخر:
(إذا ما حضرنا والرقيب بمجلس ... ترانا سكوتا والهوى يتكلم)
وهذا من بيان الأشياء بذواتها، وهو من الباب الأول
Sayfa 61