ومن الممنوعات عندهم، وعند جميع أهل الأدب أيضًا استعمال الذال المعجمة مع الدال المهملة، وقد وجدنا له ولغيره في مواضع كثيرة، فمن ذلك قول ابن قزمان في زجل كتبه إلى ممدوحه يطلب منه حنطة بسبب رمضان مطلعه وهو:
إش نحتج إن نقل لك ... قد تدري ما نريد
قوم اعطيني نصيبي ... من قمحك الجديد
ويقول في خرجة بيت منه وهو:
والعيد قرب والافطار ... لابد من سميذ
ولفظة سميذ بالذال المعجمة، بإجماع أهل الأدب.
وقد وجدنا للاستاذ مدغليس من ذلك في بيت من أزجاله وهو:
قوم ترى النسيم يولول ... والطيور عليه تغرد
والسما تنثر جواهر ... فوق بساط من الزمرذ
وفي وسط المرج الأخضر ... وادي كالسيف المجرد
فلفظة الزمرد من ذوات الذال المعجمة، قلت: ذكرت بأشكال الفرق بين الذال والدال والضاد والظاء على مثل هذه الأئمة رتبة الحاج علي بن مقاتل الحموي تغمده الله برحمته ورضوانه وإجماع الناس على تقديمه لإمامه هذا الفن فإنه نظم زجلين جانس بين الذال والدال والضاد والظاء فيهما قصرت فحول الأدب عن إدراكهما، وتا الله لم ينسج الحريري في الفرق بين الضاد والظاء على منوالهما، فمطلع أحد الزجلين قوله:
إن مع معشقي جفون والحاظ ... لو رآهم عابد لهام ولخاض
ومع انو من سحر عينيه إذا ... حفظوا باب أنساه صلاتو أدا
والبيت الذي نظمه بعد المطلع قوله:
حضرني لما دا يغيب عني ... في غيابو يا ماذا تحفظ فصول
حتى أنو يصير قريب مني ... ولو أني نكون في ميدان نجول
أيش تضيق الدنيا على ذهني ... ولا نعرف أيش كان نريد لو نقول
واش ما قد حفظت من الفاظ ... ويضيق بي رحب المكان الفاض
ولا نطلب يومي شراب وغذا ... وابقى سكران طول ليلتي وغدا
يا نسيم السحر على حبي.... ... أقري مني طيب السلام كلو
لله ووصيه بالعاشق المسبى ... قلبي ذاك الذي إلف طلو
وإن تيسر لك أن ترى قلبي ... وسال عن جسمي الضعيف قلو
انتحل من بعدك إلى أن قاظ ... واغتسل مما بعينو فاض
وعلى خدو الدار حين قد حذا ... وفي بابو حادي المنية حدا
حن ذكرني في عتبووحد النهار ... غطتو حتى وقف على ماجرى
وبقي هو يحمار ونا نصفار ... ونوادر مني ومنو ترى
فلا تعجب من خدّو كيف يحمار ... فوقو ورد الخجل وتحتو جرى
ما الحيا في الخدود إذا ما اغتاظ ... ونشف ما لوني إلى أن غاض
فلا تعجب مني ومنه فذا ... سر فيه ممن أنا لو فدا
هذا الزجل الذي أينع زهره في حدائق الأدب حفظته ورياحين الشبيبة غضة، ولكني شذ عني بيته الرابع لعدم التفاتي إلى المذاكرة بهذا الفن، ولما بهر المصنف رحمه الله تعالى به عقول أيمة هذا الفن، وقالوا: إنه ما نسج على منواله ولا ينسج، شفعه بزجل ثان حير فيه الإفهام، وقالت علماء هذا الفن: ما نشك أن عليًا إمام.
والزجل الثاني لم يتأخر في صبابة الحاصل منه غير مطلع وبيت وهو:
ما الفراق في الهوى ... إلا خصمو ألد
على تركو إذ هو قوى حظي ... نلق وصلو من كل لذة ألذ
نسأل الله منو يزيد حظي
قد هويت ريم طرفو الجوارح يصيد ... على قلبي ما أخوفني من كيدو
حر مملوك إلا أنو سيد كل سيد ... مثل يوسف إستاذ في قيدو
والعجب فيه أن الملوك الصيد ... قد قنصهم بحسنو في صيدو
ومعو سبحان الله خال وخد ... كم بقيت يوم من تقبلوا لفضي
حتى خذت العبير بتاعو وخد ... رقة الحاشية بتاع لفظي
سبحان المانح؛ هذه طريق لم يسلكها أحد من المتقدمين ولا من المتأخرين غير الحاج علي بن مقاتل رحمه الله تعالى.
1 / 8