ولاية الحكم المستنصر
ثم ولي بعده ابنه الحكم بن عبد الرحمن، ويلقب بالمستنصر بالله، وله إذ ولي سبع وأربعون سنة، يكنى أبا العاص، أمه أم ولد اسمها [مرجان] وكان حسن السيرة، جامعًا للعلوم، محبًا لها، مكرمًا لأهلها، وجمع من الكتب في أنواعها ما لم يجمعه أحد من الملوك قبله هنالك، بإرساله عنها إلى الأقطار، واشترائه لها بأغلى الأثمان، ونفق ذلك عليه، فحمل إليه، وكان قد رام قطع الخمر من الأندلس، وأمر بإراقتها، وتشدد في ذلك، وشاور في استئصال شجرة العنب من جميع أعماله فقيل له: إنهم يعملونها من التين وغيره، فتوقف عن ذلك.
وفي أمره بإراقة الخمور في سائر الجهات يقول أبو عمر يوسف بن هارون الكندي قصيدته المشهورة فيها، متوجعًا لشاربها، وإنما أوردناها تحقيقًا لما ذكرنا عنه من ذلك، وهي قوله:
بخطب الشاربين يضيق صدري ... وترمضني بليتهم لعمري
وهل هم غير عشاق أصيبوا ... بفقد حبائب ومنوا بهجر
أعشاق المدام لئن جزعتم ... لفرقتها فليس مكان صبر
سعى طلابكم حتى أريقت ... دماء فوق وجه الأرض تجري
تضوع عرفها شرقًا وغربًا ... فطبق أفق قرطبة بعطر
فقل للمسفحين لها بسفح ... وما سكنته من ظرف بكسر
وللأبواب إحراقًا إلى أن ... تركتم أهلها سكان قفر
1 / 18